ولكنّ الحقّ أن يقال : إنّ وجه الثّالث من تلك الوجوه تامّ ، جيّد ، وأمّا الوجهان الآخران ، فلا مجال للتّعرّض لهما هنا أصلا ، إثباتا ومنعا ؛ وذلك ، لأنّ الإمكان بالمعني الوقوعيّ يكون من الامور العقليّة والمقولات الفلسفيّة ، فلا بدّ فيه من التّمسّك بالبرهان.
وعليه : فلا ينبغي أن يقال ـ كما عن المحقّق الخراساني قدسسره ـ : ليس الإمكان أصلا متّبعا عند العقلاء لمنع السّيرة تارة ، ومنع الحجّيّة اخرى ؛ بل لا بدّ أن يقال : إنّ ما كان مصبّا للبرهان ، لا يناله بناء العقلاء ، ولا يمكن أن يتطرّق إليه سيرتهم ، لا أنّه يمكن ويعقل تحقّقها وتطرّقها إليه ، إلّا أنّها لم تتحقّق ولم تتطرّق إليه ، أو تحقّقت ولكن لا حجّيّة لها ، نظرا إلى قيام دليل قطعيّ على اعتبارها.
ثمّ إنّ المحقّق النّائيني قدسسره (١) ذهب إلى أنّ المراد من الإمكان المبحوث عنه في المقام هو الإمكان التّشريعيّ ، بمعنى : أنّه هل يلزم من التّعبّد بالأمارة غير العلميّة محذور في عالم التّشريع من تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة واستلزامه الحكم بلا ملاك واجتماع الحكمين المتنافيين وغير ذلك ، أو لا؟ وليس المراد من الإمكان هو التّكوينيّ بحيث يلزم من التّعبّد بها محذور في عالم التّكوين ، فإنّ الإمكان التّكوينيّ لا يتوهّم البحث عنه في المقام.
وقد أورد عليه عدّة من الأساطين بوجه مشترك وإن كان عباراتهم مختلفة ، منهم المحقّق العراقي قدسسره فقال : «وكون موضوع هذا الإمكان والاستحالة أمرا تشريعيّا لا يقتضي خروج إمكانه عن التّكوين ، كما لا يخفى» (٢).
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٨٨.
(٢) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٨٨. انظر هامشه.