نعم ، تدارك مصلحة الواقع بمصلحة التّسهيل الّتي لا تكون من سنخ تلك المصلحة الواقعيّة ، فيه ما لا يخفى.
إلّا أنّا نقول : لا نحتاج إلى التّدارك ؛ لدوران الأمر بين إجراء البراءة والإهمال بالمرّة الّذي قضيّته أن يكون الأنام كالأنعام ، وبين تحصيل القطع أو إعمال الاحتياط الّذي هو إخلال بالنّظام أو تعب وعسر ، ينافي سهولة الشّريعة ، وبين العمل بالأمارات الظّنيّة غير العلميّة ، وهذا هو سهل ويسر ، ملائم لسهولة الإسلام ، وفي العمل بهذا الطّريق الّذي قد يخطئ ، إرفاق وتوسعة يوجب الجذب والإقبال ، خلاف طريق الاحتياط الّذي فيه تضييق ، يوجب الدّفع والإدبار.
والحاصل : أنّ الشّارع أمرنا بالتّعبّد بالأمارات الظّنيّة مع علمه بأنّها قد تكون مخطئة ، وأمضى هذه الطّريقة العرفيّة العقلائيّة الّتي يعمل على طبقها العقلاء في كلّ يوم وليلة ؛ وذلك ، لما فيه من السّهولة ، خلاف ما في إجراء البراءة والإهمال من الخسران والضّلالة ، وخلاف ما في تحصيل العلم والقطع أو إجراء الاحتياط من العسر والإخلال بالنّظام والمعيشة ، فالعمل على وفق الأمارات فيه خير كثير ، وشرّ يسير ، بخلاف غيره ، ففيه شرّ محض أو شرّ كثير غالب.
على أنّ العلم والقطع يكون كالظّنّ ، في الخطأ والإصابة ، فلا يجدي تحصيله في التّجنّب عن فوت مصلحة الواقع ؛ لفواتها أحيانا ولو كان المكلّف قاطعا. هذا تمام الكلام في الأمر الثّاني (١) (إمكان التّعبّد بالأمارة غير العلميّة).
__________________
(١) من الامور الثّلاثة الّتي أشرنا إليها في ابتداء مبحث الظّنّ.