أنّ الظّاهر المفروغ عن كونه ظاهرا ، هل يكون مرادا أم لا؟
ومن المعلوم : أنّ القسم الأوّل معتبر في الجملة بلا خلاف وإشكال ؛ إذ المفروض اعتبار تلك الامور عند أهل اللّسان في محاوراتهم المقصود بها التّفهيم ، وليس طريق محاورات الشّارع في تفهيم مقاصده مغايرا لطريقهم (١). ولقد أفاد تلك المقالة ـ أيضا ـ المحقّق الخراساني قدسسره ونعم ما أفاده. (٢)
ولا يخفى : أنّ مقتضى كلمات الأصحاب هو أنّ الظّهورات مطلقا ، سواء كانت من الكتاب والسّنّة ، أو غيرهما ، تكون من الأمارات الظّنيّة ، إلّا أنّها خارجة بالدّليل عن أصالة حرمة التّعبد بالظّنّ خروجا تخصيصيّا.
ولكنّ الحقّ عندي خلافه وإن كنت في الأزمنة السّالفة من المعتقدين الظّانين بكون الظّهورات من الظّنون وأنّ حجّيّتها من باب إفادتها للظّنّ نوعا ، إلّا أنّه بعد التّأمّل والنّظر ، عدلت عن ذلك المبنى واعتقدت بأنّ الظّهورات ليست من الظّنون ، بل تكون من العلوم العرفيّة العقلائيّة ، لا الدّقيّة الفلسفيّة ، فيعامل العرف مع الظّهورات معاملة العلم ، فيحلف فلان باسم الجلالة ويقول : إنّ فلانا مراده من كلامه هذا ، كذا قطعا ، وأنّ كلامه هذا دالّ على مرامه ، كذا ، حتما ، بحيث يحتجّ بكلامه عليه احتجاجا على وجه الجزم ، وكذلك يحتجّ بظاهر كلامه على من ينكره ويكابره.
وعليه : فخروج الظّهور عن حيطة أصالة حرمة التّعبّد بالظّنّ يكون من باب التّخصّص ، لا التّخصيص ، ومعه لا مجال للقول بكون الظّنّ الشّخصي بالوفاق أو عدم
__________________
(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٣٥ إلى ١٣٧. الطّبعة الجديدة.
(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٥٨ إلى ٦٤.