وفيه : أوّلا : أنّ حجّيّة الخبر الواحد إنّما هي لأجل كونه إخبارا عن حسّ ؛ ولذا يكون مطابقا للواقع غالبا ، وهذا بخلاف الفتوى فإنّه يكون إخبارا عن حدس ، فالقياس مع الفارق.
وإن شئت ، فقل : إنّ الخبر الواحد حسّ وخبر ، والفتوى رأى ونظر ، فلا مجال لقياس النّظر بالخبر ، أو قياس الرّأي بالرّؤية.
وثانيا : أنّه تقدّم منّا في مبحث حجّيّة الظّواهر ، أنّ الخبر الواحد يكون علما عرفيّا خارجا عن أصالة حرمة التّعبّد بالظّنّ تخصّصا. وعليه ، فليس حجّيّة الخبر لأجل إفادته للظّنّ كي يقال : الشّهرة الفتوائيّة تفيد ظنّا أقوى وأتم ، فتكون حجّة بالأولويّة القطعيّة.
اللهم إلّا أن يقال : إنّ الشّهرة الفتوائيّة ـ أيضا ـ تكون علما عاديا أو اطمئنانا عرفيّا ، فهي ـ أيضا ـ كالخبر حجّة ، خارجة عن الأصل تخصّصا.
فتحصّل : أنّ الوجوه الأربعة الّتي اقيمت على حجّيّة الشّهرة الفتوائيّة وخروجها عن تحت أصالة حرمة التّعبّد بالظّنّ ، كلّها مخدوشة.
والتّحقيق في المقام يقتضي التّفصيل بين الشّهرة الفتوائيّة من القدماء قدسسرهم (١) فتكون حجّة ، وبين الشّهرة الفتوائيّة من المتأخّرين (٢) فلا تكون حجّة.
أمّا حجّيّة الشّهرة من القدماء قدس سرّهم فلأنّ فقههم قدس سرّهم كان منصوصا مأثورا متلقّى
__________________
(١) وهم قدماء الأصحاب إلى زمن الشّيخ الطّوسي قدسسره ، وقد يعبّر عن هؤلاء بالمتحفّظين على الاصول والمفتين بالمتون بلا تصرّف وتأويل.
(٢) وهم المتأخّرون من زمن الشّيخ طوسي قدسسره إلى زماننا هذا ، وقد يعبّر عن هؤلاء بأصحاب الاجتهاد وأرباب التّفريعات والفتاوى.