وشبهة ، ولا يكون التّشكيك والدّغدغة في هذه المسألة إلّا مجرّد مكابرة وسفسطة.
وتوهّم أنّ الآيات النّاهية رادعة عن العمل بالظّنّ عن تلك السّيرة المستمرّة ؛ لكون الخبر الواحد من الظّنون ، مندفع ؛ أوّلا : بأنّ تلك الآيات ناظرة إلى الاصول الاعتقاديّة ، فيكون المراد من الظّنّ هناك هو الوهم والخرافة قبال الحجج والبراهين العقليّة القاطعة ؛ ولذا ترى ، أنّ الصّحابة كانوا يعملون بأخبار الآحاد من الثّقات حتّى بعد نزول الآيات النّاهية بلا توقّف وعطلة ، وبلا سؤال عن صاحب الشّريعة بأنّه هل يجوز لنا العمل بتلك الأخبار مع نزول هذه الآيات أو تكون الآيات رادعة عن العمل بها؟
وثانيا : بما عرفت مرارا ، من أنّ خبر الثّقة يكون علما عاديا يعامل معه معاملة العلم الحقيقي عند العقلاء ؛ ولذا لا يصل الدّور إلى أنّه هل يعتبر إفادته ظنّا فعليّا ، أو يكفى الظّنّ النّوعي ، أو لا هذا ولا ذاك؟ بل المعتبر عدم وجود الظّنّ على الخلاف.
وعليه : فعمل الأصحاب بخبر الثقة وسيرتهم على الاعتماد به ، إنّما هو لأجل كونه بمنزلة العلم عندهم ، لا أنّهم عملوا به مع إفادته للظّنّ ، ولعلّه لما ذكرنا ـ أيضا ـ كانوا يعملون بالظّواهر المفيد لغير العلم ، مع أنّهم يقرءون الآيات النّاهية عن العمل بغير العلم ، فلم يكن ذلك إلّا لكون الظّواهر ـ كخبر الثّقة ـ علوما عادية عرفيّة خارجة عن تلك الآيات تخصّصا وبوجه الحكومة ، فتأمّل حتّى يتبيّن لك الحقيقة.
هذا لو قلنا : بدلالة الآيات النّاهية على حرمة العمل بغير العلم مولويّا ، فتكون السّيرة الدّالّة على حجّيّة خبر الثّقة حاكمة عليها ؛ إذ العمل به لا يكون حينئذ عملا بغير علم بعد كونه علما عند العرف والعقلاء. وأمّا لو قلنا : بكون الآيات النّاهية