بالحديث للصّحّة كما عرفت في عنوان «النّسيان» ، وإمّا إكراه على إيجاد سبب ومسبّب ، فلا قدح في جواز التّمسّك بالحديث للبطلان ، وإمّا إكراه على ترك شرط أو جزء شرعيّ أو على إيجاد مانع كذلك ، فيتمسّك بالحديث لرفع ما اكره عليه إذا كان العاقد مكلّفا بإيجاد العقد لحاجة ضروريّة ، أو لجهة شرعيّة من نذر وشبهه ، فيكرهه المكره ، ولو لا تلك الحاجة أو هذه الجهة لما صدق الإكراه حتّى يتمسّك بالحديث.
وأمّا عنوان الاضطرار ، فهو ملحق بعنوان الإكراه ، فيأتي فيه ما تقدّم في الإكراه من الصّور والحكم فيها ، إلّا أنّه يفارق عن الإكراه في صورة تعلّقه بإيجاد السّبب والمسبّب ، فلو اضطرّ شخص إلى إيجاد سبب ومسبّب ، كالعقد فأوقعه لا يرفع ذلك بالحديث لكونه خلاف الامتنان ، بخلاف ما إذا اكره على إيجاده فيرفع بالحديث ، كما تقدّم. (١)
ثمّ إنّ المحقّق العراقي قدسسره قد منع عن جريان حديث الرّفع في مورد شروط المعاملة أو غيرها حال النّسيان ، بدعوى : أنّ قضيّة نفي الشّرطيّة أو غيره في المعاملة إيجاب الوفاء بالفاقد وهو خلاف الامتنان في حق المكلّف. (٢)
وفيه : أنّ الأمر على عكس ذلك ؛ إذ رفع الشّرط أو غيره في الفرض يقتضي صحّة المعاملة ونفوذها. ومن المعلوم ، أنّ في ذلك منّة ورحمة على المتعاملين الّذين أقدما عليها لرفع الحوائج بها ، لا سيّما إذا كانت الحوائج الدّاعية إلى المعاملة مهمّة ضروريّة ، فليس الحكم بالصّحة خلاف الامتنان ، بل خلافه إنّما هو من ناحية الحكم بالبطلان. هذا تمام الكلام في الاستدلال على البراءة بالسّنة.
__________________
(١) راجع ، أنوار الهداية : ج ٢ ، ص ٦٢ إلى ٦٥ ؛ وتنقيح الاصول : ج ٣ ، ص ٢٤٢.
(٢) راجع ، هامش فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٣٥٧.