للفقراء بإعطاء الزّكوات والصّدقات لهم ورفع حوائجهم حتّى ينفتح باب الرّأفة والرّحمة ، وينسدّ باب العداوة والخصومة وباب إلقاء نفوس ذوي الثّروة بأيديهم إلى التّهلكة ، حيث إنّهم لو تركوا الإنفاق للفقراء ، يوجب ذلك تحريك إحساساتهم وإثارة خصوماتهم ، فينهضوا على ذوي الثّروة حتّى ينجرّ إلى إلقائهم إلى التّهلكة ، بخلاف ما لو أنفقوا للفقراء ، فإنّهم لمّا رأوا الرّأفة والرّحمة وعدم منعهم من حقوقهم اللّازمة من ناحية ذوي الثّروة ، لم ينهضوا عليهم ، فلا يلزم أيّ إلقاء إلى التّهلكة.
ويحتمل أن يكون هو إنفاق أهل الإسلام في سبيل الجهاد والمقاتلة حتّى ينفتح به باب غلبة جنود الإسلام وتقويتهم وينسدّ باب إلقاء نفوسهم بأيديهم إلى التّهلكة ، حيث إنّهم لو تركوا الإنفاق لكان فيه مظنّة غلبة جنود الكفر عليهم ، فينجّز إلى إلقائهم إلى التّهلكة.
إذا عرفت هذا ، فاعلم ، أنّ موارد الشّبهات البدويّة الّتي يقع فيها الكلام بين الاصوليّ والأخباريّ ، ليس فيها تهلكة ، لا اخرويّة (العقوبة) لقيام الأدلّة على الإذن في الاقتحام والرّخصة ، ولا دنيويّة ، إلّا في بعض الأحيان وعلى وجه الشّذوذ والنّدرة ؛ ولذا أطبقوا كلّهم حتّى الأخباريّ على البراءة في الشّبهات الموضوعيّة مطلقا ، وفي الحكميّة إذا كانت وجوبيّة.
ونتيجة ذلك كلّه ، أنّ الآية ناظرة إلى غير موارد الشّبهات البدويّة ، فتكون أجنبيّة عن المقام. (١)
أمّا الطّائفة الثّالثة ، فلأنّ الاستدلال بها على وجوب الاحتياط ، إنّما يتمّ
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٢٥٥.