اخرى ، أنّ البناء على مؤدّى الاستصحابين ، ينافي الموافقة الالتزاميّة ، فإنّ التّديّن والتّصديق بأنّ لله تعالى في هذه الواقعة حكما إلزاميّا ، من الوجوب أو الحرمة ، لا يجتمع مع البناء على عدم الوجوب والحرمة واقعا (١). هذا محصّل ما أفاده المحقّق النّائيني قدسسره لإثبات مختاره من التّخيير التّكويني في المقام.
ولكن لا يمكننا المساعدة على ما ذكره بالنّسبة إلى البراءة العقليّة والنّقليّة ، وكذا الاستصحاب ؛ أمّا البراءة العقليّة ، فلأنّ عدم تأثير العلم الإجماليّ لا يساوق التّأمين ، بل يوجب اندراج دوران الأمر بين المحذورين تحت الشّبهة البدويّة الّتي يجب فيها تحصيل المؤمّن لا محالة ولا مؤمّن إلّا قاعدة قبح العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا حجّة وبرهان.
وأمّا البراءة الشّرعيّة ؛ فلأنّ المرفوع ليس هو مجموع الحكمين ـ كى يقال بعدم إمكان وضعه ـ بل هو كلّ واحد منهما ، ووضع ذلك ممكن ، كما لا يخفى.
وأمّا الاستصحاب ، فلأنّ البناء فيه هو البناء العمليّ لا القلبيّ الاعتقاديّ كي ينافي الموافقة الالتزاميّة ، وإذا فلا مانع من جريانه في باب الدّوران ولا منافاة بينه وبين العلم الإجماليّ بجنس التّكليف ، فتأمّل جيّدا.
فتحصّل : أنّ القول المختار في المقام هو القول الأوّل (جريان البراءة العقليّة والنّقليّة) ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع ، كما عرفت وجه ذلك ، وأنّه لا يبعد ـ أيضا ـ اختيار جريان استصحاب عدم الوجوب والحرمة.
ثمّ إنّه لا فرق بناء على القول البراءة بين أن يكون أحد الحكمين محتمل الأهميّة
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٤٤٨ إلى ٤٥٠.