وبين أن لا يكون كذلك ؛ إذ احتمال كون أحدهما على تقدير ثبوته في الواقع ، أهمّ من الآخر ، لا يوجب ترجيح محتمل الأهميّة على غيره ، بحيث يمنع عن إجراء أصالة البراءة المقرّرة ظاهرا عند الجهل بالحكم ، كما هو واضح.
نعم ، بناء على القول بالتّخيير العقليّ يمكن الفرق بين الموردين وترجيح محتمل الأهميّة ، كما هو مختار المحقّق الخراساني قدسسره (١) ؛ ويتّضح وجه ذلك ، ببيان ضعف ما اختاره بعض الأعاظم قدسسره من أنّه لا ترجيح لمحتمل الأهميّة من غير فرق بين القولين ، فقال ما حاصله : إنّ المقام لا يقاس بباب التّزاحم ؛ إذ الأهميّة المحتملة هنا تقديريّة ، حيث إنّه لم يعلم ثبوت أحد الحكمين بخصوصه وإنّما المعلوم ثبوت الإلزام في الجملة. غاية الأمر : لو كان الإلزام في ضمن أحدهما المعيّن ، احتملت اهميّته ، فاحتمال الأهميّة إنّما هو على تقدير كون الالزام في ضمن أحد الحكمين معيّنا ، ومثل هذا لا يصلح للتّرجيح ، وهذا بخلاف باب التّزاحم ؛ إذ يعلم فيه ثبوت كلّ من الحكمين ، إلّا أنّه لا يجب امتثالهما معا لعجز المكلّف وعدم قدرته على الجمع بينهما. (٢)
وفيه : أنّ الفرق بين باب الدّوران وباب التّزاحم بما ذكر ، واضح ممّا لا يكاد يخفى ، لكنّه لا يوجب الفرق بينهما بلزوم تقديم محتمل الأهميّة في باب التّزاحم دون باب الدّوران ولا يكون دليلا على الفرق بينهما من هذه النّاحية ، بل الصّواب أن يقال : إنّ العقل كما يستقلّ في الحكم بلزوم تقديم محتمل الأهميّة في باب التّزاحم ، كذلك يستقلّ في الحكم بلزومه في باب الدّوران ـ أيضا ـ ولا ينبغي أن يتفوّه بالتّساوي عقلا ، بين المحذورين مع كون أحدهما أهمّ ولو احتمالا.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠٧.
(٢) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٣٤.