فتحصّل : أنّ الفعل المتجرّى به لا يخرج عمّا كان عليه ، فلا يصير حراما بعد ما كان حلالا ، أو قبيحا بعد ما كان حسنا ، والدّليل عليه ما ذكرناه : من أنّ القطع الطّريقيّ لا يكون دخيلا في الملاكات ، ولا يكون من محدثات المناطات من المصالح والمفاسد ، بل الملاكات تدور مدار نفس العمل حدوثا وبقاء ، وجودا وعدما ؛ وأمّا الدّليل الّذي أقامه المحقّق الخراساني قدسسره وبعض الأعاظم قدسسره على ذلك ، فقد علمت ما فيه من الضّعف.
ثمّ إنّه قد يدّعى ويقال : بحرمة الفعل المتجرّى به بنفس ملاك الحرام الواقعي وباعتبار شمول إطلاقات الأدلّة الأوّليّة لموارد التّجرّي.
وقد أشار بعض الأعاظم قدسسره إلى دليل ذلك ، تبعا للمحقّق النّائيني قدسسره (١) فقال ، ما حاصله : إنّ الدّليل مركب من ثلاث مقدّمات : الاولى : لزوم مقدوريّة متعلّق التّكليف ؛ الثّانية : كون سبب حركة العضلات نحو العمل ، هو القطع بالنّفع ، وسبب الزّجر عن العمل ، هو القطع بالضّرر ، فالمحرّك التّكوينيّ هو نفس القطع والانكشاف ، وأمّا المصادفة وعدمها ، فأجنبيّة عن المحرّكيّة أو الزّاجريّة ؛ ولذا يتحرّك القاطع العطشان إلى ما قطع بكونه ماء وإن كان في الواقع سرابا ويموت عطشا ، ولا يتحرّك نحو ماء موجود لعدم علمه به ؛ الثّالثة : تعلّق التّكليف باختيار الفعل وإرادته ؛ لأنّ الإرادة التّشريعيّة إنّما تتعلّق بالفعل الصّادر عن المكلّف بالاختيار ، لا بالصّادر عنه ولو اضطرارا ، فلا محالة يكون متعلّق التّكليف إرادة الفعل واختياره حتّى يكون الفعل صادرا عنه بالإرادة والاختيار ، والمفروض تبعيّة إرادة المكلّف لقطعه بالنّفع أو
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٣٧ و ٣٨ و ٣٩.