الضّرر ، فلا محالة يكون متعلّق البعث والزّجر عين ما تعلّق به القطع مطابقا للواقع أو غير مطابق له. وعليه ، فنسبة العصيان إلى المطابق والمخالف للواقع على حدّ سواء ؛ لخروج المطابقة والمخالفة عن حيطة اختيار المكلّف ، فلا معنى لإناطة العقاب والتّكليف بهما ، فمعنى : «أكرم العلماء» بعث إلى إكرام من قطع بكونه عالما ، ومعنى : «لا تشرب الخمر» زجر عن شرب ما قطع بكونه خمرا ، وإطلاقهما يعمّ صورة مخالفة القطع للواقع ، أيضا. (١).
هذا ، ولكن يمكن الجواب عن تلك الدّعوى : بأنّ اعتبار القدرة في التّكليف ، وكذا دخل العلم والقطع في الانبعاث إلى العمل أو الانزجار عنه ، أمر بيّن واضح ؛ فلا بدّ في حصولهما من التّصوّر وتصديق الفائدة وغيرهما.
وأمّا الأحكام والتّكاليف من الأوامر والنّواهي ، فهي تابعة للملاكات ، والملاكات كامنة في أفعال المكلّفين وأعمالهم ، فالأحكام متعلّقة بالأفعال والأعمال لا بالإرادة والاختيار ، ولا شأن للعلم والقطع ، ولا دخل له في التّكليف إلّا الكشف والحكاية ، والمنجّزيّة لدى الإصابة أو المعذّريّة عند المخالفة ، فمعنى : «أكرم العلماء» هو البعث إلى إكرام العلماء ، لا إكرام من قطع بكونه عالما ، ومعنى : «لا تشرب الخمر» هو الزّجر عن شرب الخمر ، لا الزّجر عن شرب ما قطع بكونه خمرا.
وعليه ، فليس القطع مأخوذا في متعلّق التّكليف حتّى يؤخذ بإطلاقه ويقال : ولو كان مخالفا للواقع ، كما في التّجرّي ، ثمّ يستنتج ويقال : بحرمة الفعل المتجرّى به ، بدعوى شمول الإطلاقات له.
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠ و ٢١.