المؤاخذة بمجرّد قصد المعصية ولو اشتغل الإنسان ببعض مقدّماتها ، فإنّها تنافي حمل الطّائفة الاولى وهو واضح.
الوجه الثّاني : أنّ الطّائفة الاولى محمولة على صورة استمرار قصد المعصية وعدم الارتداع ورفع اليد عنه إلى أن حال الحائل بينه وبين العمل ، بحيث لولاه لكان عمل ؛ والطّائفة الثّانية محمولة على صورة الارتداع وعدم استمرار القصد والنّية.
ولا يخفى : أنّ هذا الجمع ممّا يشهد له ما عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا التقى المسلمان بسيفهما على غير سنّة ، فالقاتل والمقتول في النّار ، قيل يا رسول الله : هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لأنّه أراد قتلا» (١) فإنّ المراد من إرادة قتله هو أنّه استمرّ ولم يرتدع عن قصده ، إلّا أنّه لم يتمكّن منه ، ولا مجال لتخيّل وجود خصوصيّة في إرادة القتل المستتبعة للحرمة ، لوضوح أنّه لا فرق بين القتل وبين سائر المعاصي من هذه النّاحية.
هذا ، ولكنّ الحقّ في المقام أن يقال : إنّ الطّائفة الاولى من الرّوايات كلّها قاصرة الدّالّة على المدّعى ، مضافا إلى ضعف سند بعضها ، كالنّبويّ المذكور.
والوجه في قصور الدّلالة ، هو أنّ مفاد هذه الرّوايات هي المؤاخذة والمحاسبة بالنّسبة إلى نيّة المعصية وقصد ارتكاب الحرام الواقعيّ ، لانيّة التّجرّي وقصد ارتكاب الحرام الزّعمي الاعتقاديّ غير الواقعيّ ، على أنّه لو سلّمنا دلالتها على ذلك ، فلا تدلّ إلّا على أنّ القصد ممّا يحاسب به ويعاقب عليه ، لا على ما هو مورد البحث
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١١ ، كتاب الجهاد ، الباب ٦٧ من أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه ، الحديث ١ ، ص ١١٣.