وقال الغلام : هو والله غلام لي ، وإنّ أبي أرسلني معه ليعلّمني ، وإنّه وثب عليّ يدّعيني ليذهب بمالي ، وأخذ كلّ منهما يحلف ويكذّب الآخر.
وأجّل الإمام الدعوى إلى اليوم الثاني ، فلمّا أصبح الصبح قال الإمام لقنبر : « اثقب في الحائط ثقبين » ، وحضر الرجلان ، فقال لهما : « ما تقولان؟ ». فحلف كلّ واحد منهما أنّه سيّد لصاحبه ، ثمّ أمرهما بالقيام وأن يضع كلّ واحد منهما رأسه في الثقب ، فلمّا صنع ذلك ، قال الإمام لقنبر : « عليّ بسيف رسول الله صلىاللهعليهوآله » ، فأحضره له ، ثمّ قال له : « عجّل بضرب رقبة العبد منهما » ، فأخرج الغلام رأسه من الثقب ، وبقي الآخر رأسه فيه ، فأخذ الإمام الغلام وقال له : « ألست تزعم أنّك لست بعبد له؟ » قال : بلى إنّه ضربني وتعدّى عليّ ، فحكم الإمام بأنّه العبد وسلّمه لمولاه (١).
وبهذا الاجراء فصل الخصومة بينهما وهو من غرر قضاء الإمام عليهالسلام.
من عجائب قضاء الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام أنّ رجلين اصطحبا في طريق ، فلمّا أرادا الغداء أخرج أحدهما خمسة أرغفة ، وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة ، ومرّ بهما شخص فدعواه إلى تناول الطعام فأجابهم إلى ذلك ، وأكلوا جميعا الأرغفة الثمانية ، وبعد الفراغ من الطعام قدّم لهما الرجل ثمانية دراهم جزاء لدعوتهما له ، وانبرى صاحب الأرغفة الثلاثة فقال لصاحبه : اقسّم الدراهم نصفين ، فردّ عليه صاحبه أنّ كلّ واحد منّا يأخذ من الدراهم عدد ما أخرج من الأرغفة ، ووقع الشجار بينهما ، فترافعا إلى الإمام عليهالسلام فأمرهما بالصلح فلم يستجيبا له ، وقالا : اقض بيننا بالحقّ ، فحكم الإمام بينهما ، فأعطى صاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، وأعطى صاحب الثلاثة درهما ، وبهرا من ذلك ، فقال عليهالسلام مبيّنا الوجه في هذه القسمة.
__________________
(١) فروع الكافي ٧ : ٤٢٥. وسائل الشيعة ١٨ : ٢٠٨. قضاء أمير المؤمنين عليهالسلام : ١١.