ووافقه على ذلك الشهيد الثاني إلاّ أنّه خصّه بالدعاوى والمنازعات (١) ، وعرضت كتب المذاهب الإسلامية في الفقه إلى تحديد القضاء بتعاريف اخرى (٢) ، وذكرها يستدعي الاطالة بلا فائدة.
أمّا القضاء في أيام الجاهلية فقد كان العرب يتحاكمون فيما شجر بينهم من خلاف إلى رئيس القبيلة أو إلى كاهن أو إلى من عرف بأصالة الرأي وجودته ، ولكنّهم كانوا يحكمون حسب ما يرونه من دون أن يستندوا إلى قانون أو قواعد معروفة.
ولكن في مكّة تأسّس حلف الفضول ، وكان من أوّليات مبادئه على أن لا يظلم بمكّة غريب ولا حرّ ولا عبد حتى يأخذوا له بحقّه ويؤدّوا له ظلامته ، وهذا يعتبر تطوّرا هائلا في ميدان القضاء في العرف الجاهلي.
ولمّا أقام الرسول صلىاللهعليهوآله دولته العظمى في يثرب أقام مجلس القضاء في جامعه الأعظم ، وتولّى بنفسه الشريفة القضاء وفصل الخصومات ، كان من بينها أن شخصا من الأنصار قد اشترى بستانا من سمرة بن جندب ، وقد استثنى منها نخلة ، فكان سمرة يتعاهدها في معظم الأوقات من دون أن يستأذن من الأنصاري فارتاب منه ، فرفع أمره إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فبعث خلفه ، فلمّا مثل أمامه طلب منه حسم النزاع ، فلم يستجب له ، وعرض عليه أن يعوّضه عنها بستانا فأبى ، وضمن له أن يعطيه نخلة في الفردوس الأعلى فامتنع ، ولمّا أصر سمرة على العدوان التفت الرسول صلىاللهعليهوآله إلى
__________________
(١) المحاكمة في القضاء ـ محمّد حسين الحسني : ٢٢
(٢) تبصرة الحكّام ١ : ١٢. جامع العلوم في اصطلاحات الفنون ٣ : ٧٢. الفروق ٤ : ٥٣.