ومال إلى الفساد بعد خضرته ، لظلوا من بعد ذلك الفرح والبشر بالمطر ، يجحدون نعم الله التي أنعم بها عليهم.
فلا تحزن أيها النبي على إعراض مشركي مكة وأمثالهم عن دعوتك ، بعد إيراد أدلة القدرة الإلهية على البعث وعلى توحيد الله ، فإنك لا تستطيع إفهام الموتى ، أو إسماعهم سماع تدبر واتعاظ ، ولا تقدر إسماع دعوتك أهل الصمم عن الحق ، إذا أدبروا عنك ولم يقبلوا هدايتك ، فإنهم أشبه بالموتى في القبور ، وبفاقدي حاسة السمع من المعاقين ، لسدّهم منافذ الهداية ، وفقد الاستعداد لسماع كلمة الحق. وليس في مقدورك أيها النبي هداية أهل العمى عن رؤية الحق ، والرد عن الضلالة ، فإن الهداية إلى الله تعالى ، وهو القادر على إسماع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء ، وإنه تعالى يفعل ما يشاء ، بهداية من يريد ، وإضلال من يريد ، وليس ذلك لأحد سواه.
وما أنت يا محمد بمسمع إسماعا ينفع ويجدي إلا من آمن بالله ربا ، وبالقرآن إماما ، وبآيات الله برهانا وحجة ، وبتوجيهات الرب إلى أفضل المقاصد وأقوم الطرق ، وهؤلاء المؤمنون على هذا النحو هم المسلمون ، أي الخاضعون لله تعالى ، المطيعون لكل ما أمر ونهى ، السامعون إلى الحق سماع إعظام وإكبار ، وامتثال واتباع.
ليس في قدرتك إذن يا محمد هداية أحد ، ولا عليك أن تهدي أحدا ، ما عليك إلا البلاغ المبين ، وإبلاغ الدعوة إبلاغا حسنا بالحكمة والموعظة الحسنة.
وهذا كله من إبعاد السماع عن عقول الكفار وقلوبهم يقصد به اليأس من استجابتهم للإسلام والقرآن ، بسبب موقفهم المعاند وآرائهم العنيدة ، واستكبارهم عن الإذعان للحق. وهذا لا يعارض الثابت في السنة النبوية من سماع الموتى كلام الأحياء ، والاستئناس بزوار القبور الذين يمتثلون الأوامر والآداب الإلهية ، من غير تبرم ولا تسخط ولا معارضة للقضاء والقدر. فلقد أجمع السلف على هذا ، وشرع