ما هذا الادّعاء بالرسالة من عند الله إلا سحر مفترى ، وقول مكذوب ، وما سمعنا بما تدعونا إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، في عهود آبائنا وأجدادنا الأقدمين ، ولم نر أحدا من الأسلاف على هذا الدّين ، ولم نر إلا الإشراك مع الله آلهة أخرى.
فأجاب موسى عليهالسلام فرعون المتألّه وقومه بقوله : الله ربّي الذي لا إله غيره ، خلق كل شيء وأوجده ، أعلم مني ومنك بالمحقّ من المبطل ، وبمن جاء بالهداية والرّشاد ومن أرسله بهذه الدعوة ، ومن الذي تكون له العاقبة المحمودة في الدنيا بالنصر والظفر والتأييد ، وفي الآخرة بالنّجاة والثواب ، والرحمة والرضوان ، كما جاء في آية أخرى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الرّعد : ١٣ / ٢٢ ـ ٢٣]. وآية : (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرّعد : ١٣ / ٤٢]. وسيفصل الله بيني وبينكم ، إنه لا يفلح ولا ينجح المشركون بالله عزوجل ، ولا يظفرون بالفوز والنجاة ، بل يكونون هالكين خاسرين.
وهذا أسلوب أدبي رفيع ، فإن موسى عليهالسلام لم يعلن أنه المحقّ وغيره هو المبطل ، وإنما فوّض الأمر لله ، ليجعل للعقل في النّقاش والجدل مجالا في إصدار الحكم النّهائي ، وتغليب الصواب على الخطأ ، فهذه دعوة للرّوية والأناة ، والتعقل ، وإعمال الحكمة ، كما جاء في أسلوب آخر في خطاب نبيّنا للمشركين ، حيث قال صلىاللهعليهوسلم : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٣٤ / ٢٤].
عاقبة الجدل المثير بين موسى عليهالسلام وفرعون
بادر موسى عليهالسلام بجولة أخرى من الجدل ، والنّقاش مع فرعون حول ربوبيّة الله تعالى وألوهيته ، على الرغم من إظهاره آيات الله البيّنات المؤيّدة لرسالته ، وأصرّ فرعون على إنكار وجود الله ، وأعلن للحاشية والأشراف من قومه بأنه هو الإله ،