أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١).
والآية تتكفّل ببيان عدّة أحكام :
أ ـ مدّة إرضاع الأُمّهات للأولاد.
ب ـ أنّ رزق الأُمّهات المرضعات وكسوتهن ، على المولود له ـ وهو الوالد ـ على النحو المعروف.
ج ـ أن لا يكلّف أحدهما الآخر بما ليس في وسعه.
د ـ أنّ (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ). وفي تفسيره وجهان :
الأوّل : أن يكون الفعل (لا تُضَارَّ) بصيغة المجهول فيكون كل من الوالدة والمولود له هو المتضرر ، وحذف الفاعل أي «الضار» لكونه معلوماً من سياق الكلام وتكون الباء في (بِوَلَدِها) وفي (بِوَلَدِهِ) للسببية. والمعنى يحرم أن يتضرر ويقع كل من الوالدة والمولود له مورداً للضرر بسبب ولدهما ، فلا تضار الوالدة بأخذ ولدها عنها ودفعه إلى الضرة بعد أُنسها به ، غيظاً عليها. كما لا يضار الوالد بترك إرضاع ولده. ففي الصورة الأُولى ، الأُمّ هي المتضرّرة والأب هو الضار ، وفي الصورة الثانية الأمر بالعكس. وعلى كلّ تقدير فالولد سبب الضرر وآلته وليس مورداً له.
الثاني : أن يكون الفعل (لا تُضَارَّ) بصيغة المعلوم وعلى هذا يكون كل من الوالدة والمولود له هو الضار ، والمتضرر هو الولد المذكور بعدهما ، والباء زائدة والمعنى : لا تضارر الوالدة ولدها ولا يضارر المولود له ولده ، وإضرار الأُمّ بترك الإرضاع ، وإضرار الأب بأخذه منها ودفعه إلى الضرة. والفرق بين الوجهين واضح ، ففي الأوّل كل من الوالدة والمولود له هو المتضرر والطرف المقابل هو الضار والولد سبب الضرر ، وفي الثاني كلّ منهما هو الضار ، والمتضرر ـ على كل تقدير ـ هو
__________________
(١) البقرة : ٢٣٣.