لدفع ضرر الغير ليس حرجاً. وبعبارة أُخرى : لا يشمل نفي الحرج ، المشقة الطارئة على الجوانح فترك حفر البئر في الدار ، وترك مطلق التصرّف في الأموال ليس حرجاً. (١)
إنّ كلاً من الوجهين لا يخلو من تأمّل :
أمّا الأوّل ، فلأنّا نختار الشقّ الثاني وأنّ المجعول في هذه الواقعة عدم تصرّف المالك في ملكه وأنّ قاعدة لا ضرر حاكمة ورافعة له ، ويلزم منه ورود الضرر على الجار ، لكن عدم شمول القاعدة لهذا الضرر المتولِّد من جريان القاعدة ، غير واضح لأنّ القاعدة وإن كانت قاصرة عن الشمول للضرر المتوجّه إلى الجار لأجل جريانها في جانب المالك لفظاً ، لكنّها ليست بقاصرة عن الشمول ملاكاً إذ لا فرق بين الحكمين الضرريين ، وإن كان أحدهما موجوداً قبل الشمول والآخر متولّداً بعده فالكلّ مرفوع. وما ذكره من أنّ المحكوم يجب أن يكون متقدّماً على الحاكم إنّما يصحّ لو قلنا بأنّه يشمله لفظاً. وأمّا إذا قلنا بشموله له ملاكاً ، فلا يشترط ذلك أبداً ، لأنّ المفروض أنّ الشمول لأجل إحراز العقل عدم الفرق بين الحكمين الشرعيين في كونهما ضرريين ، لا للدلالة اللفظية.
وأمّا الثاني ، فهو عجيب فقد استعمل الحرج في القرآن في المشقة الطارئة على الجوانح ، قال سبحانه : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) (الأحزاب / ٣٧) ، وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء / ٦٥) ، إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها الحرج وأُريد منه الطارئ على الجوانح. فالحق في المسألة ما ذكره الشيخ (قدسسره).
__________________
(١) رسالة قاعدة «لا ضرر» ص ٢٢٤. وهذان الوجهان لأجل منع الصغرى أي وقوع التعارض بين الضررين أو بين «لا ضرر» و «لا حرج». وأمّا وجه منع الكبرى ، أي الرجوع بعد التساقط إلى قاعدة التسلّط ، فقد ذكر (قدسسره) وجهه ، وتركنا نحن ايراده روماً للاختصار فلاحظه.