«إنّ ما تقدّم من عدم جواز إضرار الغير لدفع الضرر عن النفس إنّما هو في تضرّر الغير ، الحاصل بغير التصرّف في مال نفسه ، وأمّا إذا كان دفع الضرر عن نفسه بالتصرّف في ماله ، المستلزم لتضرّر الغير ، فلا نسلّم منعه ، لأنّ دليل المنع هو دليل نفي الضرر ، ومن المعلوم أنّه قاض في المقام بالجواز ، لأنّ منع الإنسان عن التّصرّف في ماله ، لدفع الضرر المتوجّه إليه بالترك ، ضرر عظيم وحرج منفي». (١)
ثمّ إنّ المحقّق النائيني (قدسسره) منع كون المقام من باب تعارض الضررين أو تعارض الضرر من جانب والحرج من جانب آخر ، أوّلاً. كما منع كون المرجع بعد التعارض هو قاعدة السلطنة ثانياً. وأوضح ذلك من الجهة الأُولى ، أعني : تعارض الضررين ، بوجهين :
الأوّل : إنّ المقام ليس من قبيل تعارض الضررين حتى يتعارضا. لأنّ أحدهما في طول الآخر ، وذلك لأنّ المجعول في هذه الواقعة ليس إلّا حكم واحد. فالحكم المجعول منه : إمّا جواز تصرّف المالك في ملكه وإمّا عدم جوازه. فإن كان الأوّل ، فهو مرفوع بقاعدة «لا ضرر» ولو استلزم رفعه ، الضررَ على المالك ، لأنّ الضرر الناشئ من رفع الأحكام الجوازية لا يعقل أن يدخل في عموم «لا ضرر». وإن كان الثاني ، فهو مرتفع وإن استلزم رفعُ عدم الجواز ، الضررَ على الجار. لأنّ الضرر الناشئ من حكومة «لا ضرر» على الأحكام التحريمية ، لا يعقل أن يدخل في عموم «لا ضرر» ، لأنّ قاعدة «لا ضرر» حاكمة على الأحكام الوجوبية أو التحريمية ، فإذا نشأ ضرر من حكومة «لا ضرر» فلا يمكن أن يكون «لا ضرر» ناظراً إلى هذا الضرر ، لأنّ المحكوم لا بدّ أن يكون مقدّماً في الرتبة على الحاكم حتّى يكون الحاكم شارحاً له وناظراً إليه. والمفروض أنّ هذا الضرر الحادث متأخّر في الرتبة عن قاعدة لا ضرر ، فلا يمكن أن يكون محكوماً ب ـ «لا ضرر».
الثاني : إنّ الحرج عبارة عن المشقة. ومطلق منع المالك عن التصرّف في ملكه
__________________
(١) رسالة «لا ضرر» الملحقة بالمكاسب ، ص ٣٧٥.