هذا ، وقد ناقش المحقّق الخوئي (قدسسره) في دلالة العقل على المقصود بقوله :
«إنّ العقل لا يرى محذوراً في إضرار الإنسان بماله بأن يصرفه كيف يشاء بداع من الدّواعي العقلائيّة ، ما لم يبلغ حدّ الاسراف والتبذير ، ولا بنفسه بأن يتحمّل ما يضرّ ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي ، بل جرت عليه سيرة العقلاء ، فانّهم يسافرون للتجارة مع تضرّرهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعي موجباً لهذا المقدار من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعاً بقاعدة لا ضرر». (١)
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من أمثلة للضرر حيث كان فيها أغراض عقلائية كالتجارة وغير ذلك خلاف الفرض. لأنّ المفروض هو انّ مجرّد الاضرار بالنّفس بلا اقترانه بداع عقلائي هل هو حرام أم لا؟
وأمّا وجود الدّاعي العقلائي فلا يرفع حرمة الاضرار الضئيلة فحسب كتحمّل الحرارة والبرودة بل يرفع حرمة الاضرار الكبيرة أيضاً ، حتى مثل قطع الأعضاء واتلاف الأموال بل تعريض الإنسان نفسه للتّلف ، بل قد يصبح تحمّل تلك الاضرار الفادحة واجباً في بعض الأحيان كما إذا توقّف الدفاع عن الدين وبيضة الإسلام والمسلمين عليه.
وذلك لأنّ الدّواعي العقلائية والشّرعيّة تجبر الضرر وتسبّب تداركه بها وحينئذ لا يرى العقل محذوراً في اضرار الإنسان بنفسه وماله ، ولكنّ هذا العقل يرى كلّ المحذور في تحمّل الاضرار حتّى ما دون اتلاف النفس وقطع الأعضاء إذا لم يكن بداع عقلائي.
نعم لا يبعد القول بعدم حرمة الاضرار اليسيرة لعدم اعتناء العقلاء بها. اللهمّ إلّا أن تكون مصداقاً للإسراف والتبذير أو اللغو فانّها تكون منهيّة عنها بحكم الأدلّة النقليّة.
__________________
(١) مصباح الأُصول : ٢ / ٥٤٨ و ٥٤٩.