لتنزيله منزلة العدم بمجرّد حكم الشارع بوجوب تداركه. وإن شئت قلت : الضرر المتدارك غير الضرر المحكوم بوجوبه.
والظاهر وجاهة الإشكال ، فانّ الضرر لو كان فعلاً للشارع لصحّ الحكم بعدمه بحكم الشارع بجبره وتداركه. وأمّا إذا كان فعل المكلّف ، فلا يصح تداركه بحكم الشارع ، فانّ المتدارك به يجب أن يكون من سنخ المتدارك. فلو حكم الشارع بجواز قتل الرجل إذا قتل امرأة ، فانّه يتدارك مثله بدفع أولياء المرأة نصف الدية إلى ورثة الرجل. أو حكم بقتل العشرة المشتركين في قتل واحد ، فانّه يتدارك مثله بايجاب دفع تسعة أعشار الدية إلى ورثة كل واحد. وأمّا إذا كان الضرر من المكلّف ، فلا يتدارك مثله بحكم الشارع وإنشائه.
نعم ، لو كان النفي ناظراً إلى عالم التشريع فقط كان لما ذكره وجه ، ولكنّه خلاف الظاهر حيث ورد ردّاً لعمل سمرة كما عرفت.
أضف إليه أنّ ذلك المعنى لا يفي بما هو المتعارف بين المتأخّرين من التمسّك به في باب العبادات إذ ليس في الأمر بالوضوء الضرري أو الحج الضرري أي تدارك فيلزم عدم صحة التمسّك به في تلك الأبواب.
إلى هنا تمت النظريات الثلاث المشتركة في حمل الهيئة التركيبية على النفي دون النهي وتصحيح الاخبار عن عدم الضرر بوجه من الوجوه.
وهناك نظريتان مبنيتان على كون النفي بمعنى النهي.
إحداهما : ما نقلها الشيخ في الرّسائل وأوعز إليها المحقّق الخراساني في الكفاية ، واختارها شيخ الشريعة الاصفهاني (١) في رسالته التي عملها في تبيين
__________________
(١) هو الشيخ فتح الله بن محمّد جواد الاصفهاني الملقّب بشيخ الشريعة ولد سنة ١٢٦٦ وتوفّي ١٣٣٩ ه ـ. وهو فقيه إماميّ ، من كبار المشاركين في ثورة العراق الأُولى على السلطة الأجنبيّة. أصله من شيراز ، من أسرة تعرف بالنّمازيّة ، ومنشؤه باصبهان. تفقّه وقرأ علوم العربيّة. وانتقل إلى