والاحياء.
إذا عرفت ذلك نقول : إنّ هنا ما يدل على أنّ «لا ضرر ولا ضرار» صدر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا بما أنّه حكم إلهي كسائر الأحكام الواردة عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، بل حكم سلطاني صدر عنه بما أنّه سائس الأُمّة وحاكمها لأجل قطع دابر الفساد وقلع جذوره. وإليك ما يدل عليه :
١ ـ قد نقل ابن حنبل في مسنده قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ضرر ولا ضرار» في ضمن أقضيته البالغة نيفاً وعشرين ، رواها عن عبادة بن الصامت حيث قال : «وقضي لا ضرر ولا ضرار». وبما أنّ المقام ليس من موارد القضاء ، إذ لم يكن هناك جهل بالحكم ولا جهل بالموضوع ، فلا يصحّ حمله على القضاء وفصل الخصومات ويتعيّن حمله على أنّه حكم سلطاني صدر عنه لأجل دفع الفساد. ومفاده أنّه حكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن لا يضر أحد أحداً ، ولا يجعله في ضيق ولا حرج ومشقّة. فيجب على الأُمّة طاعة هذا النهي المولوي السلطاني لأنّه حكم السلطان المفروضة طاعته.
٢ ـ إنّ الناظر في قضية سمرة وما ورد فيها من الروايات يقف ، على أنّ الأنصاري التجأ إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما وقع في الضيق والحرج ، واستنجد به واستنصره ، ولم يلجأ إليه إلّا بما أنّه سلطان ورئيس ، وحاكم ومقتدر ، يقدر على دفع شر المعتدي وضرره. فأحضره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكر له شكوى الأنصاري ، فلمّا تأبّى عن الطاعة أمر بقلع الشجرة وحكم بأنّه لا يضر أحد أخاه في حمى سلطانه وحوزة حكومته. فليس المقام مناسباً لبيان حكم الله ، وانّ الأحكام الواقعية الضررية ليست مجعولة ، أو أنّ الموضوعات الضررية مرفوعة الحكم ، أو أنّ الحكم الإلهي هو أن لا يضرّ أحد أحداً ، فإنّ كل ذلك ليس مربوطاً بما دار بين الرسول وسمرة.
فالصادر عن رسول الله في هذا المقام هو حكم سلطاني مفاده أنّ الرعية ممنوعة عن الضرر والضرار بعضها ببعض ، دفاعاً عن المظلوم وحفظاً للنظام. (١)
__________________
(١) تهذيب الأُصول ج ٢ ص ٤٨١ ـ ٤٨٩ مع تصرّف يسير.