ويؤيد ذلك : أنّ في قصة سمرة أحكاماً سلطانية لها طابع الجزئية والوقتية ، كأمره بالاستئذان وقلع الشجرة ورميها في وجهه ، صدرت لحفظ الحقوق أو لقلع جذور الفساد. وأمّا قوله : «لا ضرر» فهو حكم إلهي له طابع الكلّية والدوام وهو المصحح للأوامر السلطانية الجزئية.
وثانياً : إنّ الأوامر السلطانية إنّما تتعلّق بموضوعات ليست لها أحكام شخصية بسبب جزئيتها ، وأمّا الموضوعات التي قد سبق من الشارع جعل الحكم لها وتحريمها فلا معنى لجعل حكم سلطاني عليها. وهذا كالضرر ، فقد عرفت تضافر آيات الكتاب وروايات السنّة على حرمتها. وعلى ضوء هذا ، ينسبق إلى الذهن ، أنّ الرسول الكريم كان بصدد الإشارة إلى الحكم المعلوم المتضافر.
وثالثاً : إنّ ما ذكره لا يصحّ في حديث الشفعة ، فانّ الظاهر من توسيط قوله «لا ضرر ولا ضرار» بين الكلامين أنّ هذه القاعدة الإسلامية صارت سبباً لتشريع حق الشفعة للشريك ، ولم يكن في البين أيّة أرضية صالحة لصدور حكم سلطاني ، وإنّما قضى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالشفعة بين الشركاء دفعاً للضرر والضرار.
أضف إلى ذلك أنّ تفسير النفي بالنهي خلاف المتبادر في هذه الموارد كما لا يخفى. (١)
إلى هنا ظهرت حقيقة الآراء والنظريات الّتي قيلت في القاعدة ، وقد عرفت أنّ الكلّ لا يخلو من علّة أو علّات ، وأمّا مختارنا فيها فإليك بيانه :
__________________
(١) ويضاف إلى ما ذكره شيخنا في تحليل كلام استاذه ، بأنّه لو سلّم اندفاع جميع الاشكالات الّتي ذكرها حول تلك النّظريّة ، فإنّها تقبل إذا كانت أدلّة القاعدة منحصرة بقضيّة سمرة وحديث اقضية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المروي عن عبادة بن الصّامت. ولكن حيث اثبتنا في بحث «الضّرر والضّرار في السّنّة» عدم انحصارها بهما وأنّ هناك عشرات الأحاديث قد وردت في عشرات المجالات من العبادات والمعاملات ، وكلّها تشير إلى مضمون القاعدة ولم يوجد في أكثرها رائحة الأوامر والنّواهي السّلطانية ، فلا يبقى مجال لقبول تلك النّظريّة.