الجواب الذي ذكرناه سابقاً. فمورد الحديث ومنحاه وهدفه وغايته ، تربية الناس تربية سامية إسلاميّة ، حتّى لا يضرّ أحد أحداً. ولأجل ذلك فقد أخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بتأكيد عن عدم أيّ تشريع للضرر ، أي ضرر بعض النّاس بعضاً. (١)
هذا تمام الكلام في المقامات الأربعة وينبغي ، تكميلاً لمفاد القاعدة ، وتعييناً لحدودها ، البحث عن أُمور ، ولذلك ذيّلنا البحث بعدّة تنبيهات :
__________________
(١) يلاحظ على مختاره ـ دام ظلّه ـ بما يلي :
أوّلاً : إنّ من فحص فحصاً تامّاً في طيّات كتب الحديث عن مدارك القاعدة سوف يجد أنّ هناك موارد ليست بالقليلة يظهر منها أنّ مصدر الضّرر وفاعله ليس النّاس بعضهم بعضاً بل هو الشّارع ، ولذلك نفيت تلك الأحكام ورفعت لوجود الضّرر فيها لو شرّعت على المكلّفين.
نعم لو قلنا بأنّ مدرك القاعدة هو حديث سمرة واضرابُه فقط ، لكان للقول بانحصار مصدر الضرر في النّاس مجال. إلّا أنّنا أثبتنا خلاف ذلك كما مرّ.
وثانياً : إنّ استناد الفقهاء في جميع أبواب العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والحجّ والجهاد والزّكاة وما إلى ذلك ، إلى أدلّة قاعدة نفي الضّرر لا يقل عن استنادهم إلى أدلّة نفي الحرج وسنتعرّض إلى تلك الموارد مع اعطاء فهرس كامل لها إن شاء الله في ملحقات هذا الكتاب.
ثمّ إنّ استنادهم إلى أدلّة نفي الحرج في بعض الموارد ليس لاعتقادهم بعدم صحّة الاستدلال بقاعدة نفي الضّرر هناك ، بل لاعتقادهم عدم الفرق الكبير بين القاعدتين منحًى ومورداً كما يبدو لمن تأمّل في عباراتهم.
وخاصة إذا لاحظنا عدم تعنون قاعدة لا ضرر في كتب القدماء بصورة مستقلّة ومتميّزة ثغورها عن القواعد الأُخر المشابهة كقاعدة نفي الحرج وما شاكلها.
ولذلك نرى المحقّق الحليّ في كتابه المعتبر ج ١ ، ص ١٣٨ في مكروهات التخلّي من كتاب الطهارة ، عند ما يريد الاستدلال على عدم كراهة التكلّم حين التغوّط عند الضرورة يقول : «وأمّا حال الضرورة فلما في الامتناع من الكلام من الضّرر المنفي بقوله تعالى : (وما جعل عليكم في الدّين من حرج).