أمّا تكليفاً فيحرم كل عمل ضرري يتوجه من بعض النّاس إلى البعض الآخر كإيذاء الجار لجاره ، وأمّا وضعاً فلا تنفذ المعاملات الضرريّة كالغبن وغيره.
وبذلك يتّحد المختار مع مختار الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني فيما يكون الضرر متأتّياً من جانب الناس ، ويصح الاستدلال به في مورد الغبن وتبعيض الصفقة وتأخير الثمن والتدليس وغيرها.
ومن هنا استند الفقهاء في أبواب العبادات غالباً إلى أدلّة «لا حرج» ، فالحكم باشتراء ماء الوضوء والغسل بثمن غال لا يتحمل عادة ، أو إيجاب الوضوء على المريض الذي يضرّه استعمال الماء أو إيجاب الحج على المريض والشيخ الفاني حكم حرجي منفي بأدلّة الحرج.
وبذلك تقدر على دفع الاشكال الّذي ربّما يستعصيه بعض الافهام ، من إنّ الشارع كيف يخبر عن صفحة التشريع بعدم الحكم الضّرري فيها ، مع شيوعه في العبادات والمعاملات ، حيث حكم بدفع الزكاة والخمس والمقاتلة في ميادين الحرب ، كما أمر بإراقة الخمور وكسر الأصنام والصلبان والملاهي وغير ذلك.
وذلك لما عرفت من أنّ منحى الحديث هو اضرار النّاس بعضهم ببعض ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر عن خلو حياة الناس عن الضرر والضرار ، ادّعاءً لأجل خلوّ صفحة التشريع عن تجويز ذلك. فإذا انتفى التشريع عنهما ، فكانت رقعة الحياة خالية عنهما ، لأنّ النّاس ملزمون بالعمل بما جاء به الشارع المقدّس.
وأمّا الأحكام الّتي ربّما تكون ذريعة للضّرر. فمع قطع النظر عن عدم كونها ضرريّة ، لأنّ فيها حياة الفرد والمجتمع ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). (١) ـ فهي خارجة عن مفاد الحديث موضوعاً ، ولا نحتاج إلى تجشّم
__________________
(١) الأنفال / ٢٤.