الاضرار عندئذ إلى نفس المكلّف حيث ألزم نفسه بما لم يلزمه الشارع به.
وأمّا في مورد الاضرار بالغير ، فالقاعدة تعم الحكم الالزامي والاباحي ، فإنّ إطلاق ترخيص الشارع جواز العبور لصاحب النخل ، حكم ضرري جاء من جانب الشارع ، إذ لو لا ترخيصه لما كانت لسمرة بن جندب حجة في الاضرار بالجار.
وما ذكره من أنّ الترخيص في شيء غير ملزم بشيء حتى يعد الترخيص ضررياً إنّما يتم في الاضرار بالنفس ، وأمّا في الاضرار بالغير فربما يكون ذلك الترخيص مبدأً ومصدراً للاضرار كما لا يخفى.
والحاصل أنّه لا فرق بين الالزامي وغيره ، فإذا كان مصدراً للضرر ينفى بالقاعدة سواء كان مورد الاضرار هو النفس أو الغير ، ولعلّ مراده (قدسسره) هو الصورة الأُولى ، على أنّ الاضرار بالغير حرام بغير كلام.
هذا كلّه على مشرب القوم في مفاد القاعدة ، من أنّ المقصود نفي الأحكام الشرعية الضررية.
أمّا على المختار من أنّ مفادها نفي الضرر المتوجّه من شخص إلى آخر ، فقد عرفت أنّ مفاد الأخبار هو نفيه تكليفاً ووضعاً. وأنّ الاضرار حرام أو لا ، ولا يترتب عليه الأثر ثانياً. غير أنّ هذا المطلب لا يصح إلّا إذا خلت صفحة التشريع عن أيّ حكم يسوغ الاضرار بالغير ، سواء كان ذلك الحكم وجوباً أم اباحة ، لما قلنا من أنّ الأخبار عن عدم اضرار الناس ، بعضهم ببعض ، بعناية عدم تصويبه تكليفاً ووضعاً ، لا يتم إلّا بخلو صفحة التشريع عن أي حكم يمكن أن يقع ذريعة للاضرار بالغير. كتسويغ منع الماء لمنع الكلاء ، فإنّ هذا التسويغ لا يجتمع مع الهتاف بانتفاء الضرر في الخارج وعدم تصويبه تكليفاً ووضعاً. ففي مثل المعاملة الغبنية يرتفع لزوم الوفاء المترتّب على المعاملة لو لا الضرر ، كما أنّ في مثل منع الماء المستلزم للضرر ، يرتفع الجواز السابق.