يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)(٢٤)
وقوله : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ).
أي : نجمع ، والحشر : الجمع ، يجمعون في النار ؛ وهو كقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ) [الصافات : ٢٢ ، ٢٣].
وقوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ).
أي : يساقون ؛ كقوله ـ تعالى ـ (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [الزمر : ٧١].
وقال بعضهم (١) : (يُوزَعُونَ) أي : يدفعون ؛ كقوله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣] ، والوزع : الدفع.
وقال بعضهم (٢) : (يُوزَعُونَ) أي : يحبسون ، أي : يحبس أولهم على آخرهم ، حتى إذا اجتمعوا جميعا فعند ذلك يجعلون في النار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ...) الآية [الأنفال : ٣٧].
وقوله : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
كأنهم يوقفون ويحبسون في مكان ، فيعاينون النار ، فيسألون عما كانوا يعملون ؛ وهو كقوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤] ، فينكرون ما كان منهم ؛ كقوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] وقوله : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) [غافر : ٧٤] ، فعند ذلك ينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بما عملوا وما كان منهم ، وهو قوله : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
وقال بعضهم : (جُلُودُهُمْ) : كناية عن الفروج ؛ وهو قول الحسن.
وقوله : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ينطق ، إذ لا كل شيء ينطق ، ذكروا (كُلَّ شَيْءٍ) ، وأرادوا به الخاص لا العام ، والله أعلم.
وكأن غير هذا أقرب ، يقولون : (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) يعصون [به] الله تعالى ، وهو ما ينطق الله الأشياء التي بها عصوا ربهم ، وهي الأصنام التي عبدوها وغيرها مما عبدوا دون الله ؛ كقوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) الآية [الفرقان : ١٧] ، وقوله : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) [يونس : ٢٨] ، وما ذكر من إخبار الأرض وحديثها بما عملوا عليها بقوله : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة : ٤] ،
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٦٧٩).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه الطبراني كما في الدر المنثور (٥ / ٦٧٩) ، وهو قول قتادة والسدي ومجاهد وأبي رزين وعكرمة وابن جريج.