ضرورة أنه ليس للعقل التحكم على الله تعالى ، فيقول : هذا الفعل منه قبيح فيجب تركه ، أو حسن فيجب فعله.
كيف وهو الفعال لما يشاء ، وكل ما يفعل يكون تصرفا في ملكه ، لا يسأل عما يفعل.
وفيه : ان هذا اشتباه نشأ من التعبير بأن العقل يحكم بالحسن والقبح ، وقد حققنا في محله أن شأن القوة العاقلة حتى بالنسبة إلى أفعال العباد ليس هو التشريع وجعل الاحكام ، بل هذا المقام من مختصات الله تعالى وسفرائه ، بل شأنها الدرك ، فالقوة العاقلة دراكة لا مشرعة.
وعليه فنقول في المقام : ان الحسن والقبح لا يكونان بتحكم من العقل ، بل هما صفتان واقعيتان يدركهما العقل.
توضيح ذلك : أنه كما يكون لكل واحدة من الحواس الخمس ملائمات ومنافرات ـ مثلا : السمع تلذه الاصوات الحسنة وتزعجه الاصوات القبيحة ـ كذلك تكون للعقل الذي به انسانية الإنسان والا فهو كغيره من الحيوانات ملائمات ومنافرات.
ضرورة أن القوة العاقلة قوة درّاكة ، فإذا لاحظت الأفعال فقد تراها ملائمة لها وترى استحقاق فاعلها للمدح كالعدل فيقال انها حسنة ، وقد تراها منافرة لها ترى استحقاق فاعلها للذم كالظلم فيقال انها قبيحة ، وقد تراها خالية عن الجهتين فتختلف بالوجوه والاعتبارات.
وان شئت توضيح ذلك بالمثال العرفي : فانظر إلى رجل قد أحسن اليك