والتحقيق يقتضي ان يقال : ان الضابط في الحجية وحمل الكلام على إرادة معنى خاص انما هو الظهور العرفي وليس الضابط كون المستعمل فيه حقيقيا كي يحتاج إلى اثبات كون المستعمل فيه كذلك ، بدعوى ان الاصل في الاستعمال كونه حقيقة كما ذهب إليه السيد المرتضى (قدِّس سره) (١).
وبالجملة بناء العقلاء انما هو على ان المتكلم اراد ما يكون كلامه ظاهرا فيه ، وعليه فإذا كان الكلام محفوفا بما يصلح للقرينية كان ذلك الكلام منعدم الظهور عندهم فيحكمون بالاجمال.
ومن تلك الموارد ما نحن فيه : إذ ورود الامر عقيب الحظر أو توهمه مما يحتمل عند العقلاء كونه قرينة على عدم إرادة المتكلم الوجوب من الصيغة بناءً على كونها ظاهرة فيه بنفسها وضعا أو انصرافا على ما تقدم من المحقق الخراساني (٢) وعلى كون الامر مما يجوز ترك متعلقه ، بناء على كونه بحكم العقل كما هو المختار.
وبعبارة اخرى : ان وقوع الامر عقيب الحظر يصلح ان يكون قرينة على
__________________
(١) الذريعة ج ١ ص ٢٠٣ (فصل في ذكر الدلالة على أنه ليس للعموم المستغرق لفظ يخصه) قال : أنّ اللّفظة قد تكون لها حقيقة في اللّغة ولا مجاز لها ، ولا يمكن أن يكون مجاز لا حقيقة له ، فإذا ثبت ذلك ، وجب أن يكون الحقيقة هي الّتي يقتضيها ظاهر الاستعمال ، وإنّما ينتقل في اللّفظ المستعمل إلى أنّه مجاز بالدّلالة ، وأمّا المجاز فلا يلزم على ما ذكرناه.
(٢) راجع المبحث السابع من الكفاية ص ٦٦ ـ ٧٧.