فطهرت أجوافهم ، وغسلت كلّ قذر فيها ، وتتلقّاهم على كلّ باب من أبواب الجنّة ملائكة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ، ثم تتلقّاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدّنيا بالحميم ، يجيء من الغيبة يقولون : أبشر ، أعدّ الله لك كذا وكذا ، وأعدّ الله لك كذا ، ثم يذهب الغلام منهم إلى الزّوجة من أزواجه ، فيقول : قد جاء فلان باسمه الّذي كان يدّعي به في الدنيا ، فتقول له : أنت رأيته؟ فيستخفّها الفرح حتّى تقوم على أسكفّة بابها ، ثم ترجع ، فيجيء ، فينظر إلى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر وأصفر وأحمر ؛ من كلّ لون ثم يجلس فينظر ؛ فإذا زرابيّ مبثوثة ، وأكواب موضوعة ، ثمّ يرفع رأسه ـ فلولا أنّ الله قدّر ذلك ، لأذهب بصره ـ إنّما هو مثل البرق ؛ ثم يقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، انتهى.
وقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) قالت فرقة معناه : أنّ تسبيحهم يتأتّى بحمد الله وفضله ، وقالت فرقة : تسبيحهم هو بترديد حمد الله ، وتكراره ، قال الثعلبيّ : متلذّذين لا متعبّدين مكلّفين (١).
وقوله تعالى : (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ختم للأمر ، وقول جزم عند فصل القضاء ، أي : أن هذا الملك / الحاكم العادل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه وإكمال قضائه بين عباده ، ومن هذه الآية جعلت (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خاتمة المجالس والمجتمعات في العلم ، قال قتادة : فتح الله أوّل الخلق بالحمد ، فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ١] وختم القيامة بالحمد في هذه الآية (٢).
قال* ع (٣) * : وجعل سبحانه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فاتحة كتابه ؛ فبه يبدأ كلّ أمر وبه يختم ، وحمد الله تعالى وتقديسه ينبغي أن يكون من المؤمن ؛ كما قيل : [الطويل]
وآخر شيء أنت في كلّ ضجعة |
|
وأوّل شيء أنت عند هبوبي (٤) |
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٤٤)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٣٦) برقم : (٣٠٢٦٤) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٤٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٦٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٤٢) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٤٤)
(٤) ينظر : المصدر السابق (٤ / ٥٤٤)