* ت* : وروى التّرمذيّ عن سعد بن أبي وقّاص ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لو أنّ ما يقلّ ظفر ممّا في الجنّة بدا لتزخرف له ما بين خوافق السّموات والأرض ، ولو أنّ رجلا من أهل الجنّة اطّلع ، فبدأ أساوره ، لطمس ضوء الشّمس ؛ كما تطمس الشّمس ضوء النّجوم» (١) انتهى ، ومعنى قوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أنّ نومهم كان قليلا ؛ لاشتغالهم بالصلاة والعبادة ، والهجوع : النوم ، وقد قال الحسن في تفسير هذه الآية : كابدوا قيام الليل ، لا ينامون منه إلّا قليلا (٢) ، وأمّا إعراب الآية فقال الضّحّاك في كتاب الطبريّ : ما يقتضي أنّ المعنى : كانوا قليلا في عددهم ، وتمّ خبر «كان» ، ثم ابتدأ (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) فما نافية و (قَلِيلاً) وقف حسن ، وقال جمهور النحويين : ما مصدريّة و (قَلِيلاً) خبر كان ، والمعنى : كانوا قليلا من الليل هجوعهم ، وعلى هذا الإعراب يجيء قول الحسن وغيره ، وهو الظاهر عندي أنّ المراد كان هجوعهم من الليل قليلا ؛ قيل لبعض التابعين : مدح الله قوما (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ونحن قليلا من الليل ما نقوم! فقال : رحم الله امرأ رقد إذا نعس ، وأطاع ربّه إذا استيقظ.
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)(٢١)
وقوله تعالى : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال الحسن (٣) : معناه : يدعون في طلب المغفرة ، ويروى أنّ أبواب الجنة تفتح سحر كلّ ليلة ، قال ابن زيد (٤) : السّحر : السّدس الآخر من الليل ، والباء في قوله (بِالْأَسْحارِ) بمعنى في ؛ قاله أبو البقاء ، انتهى ، ومن كلام [ابن] الجوزي في «المنتخب» : يا أخي ، علامة المحبّة طلب الخلوة بالحبيب ، وبيداء اللّيل / فلوات الخلوات ، لمّا ستروا قيام الليل في ظلام الدّجى ؛ غيرة أن يطّلع الغير عليهم ـ سترهم سبحانه بستر ـ ، (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] ، لمّا صفت خلوات الدّجى ، ونادى أذان الوصال : أقم فلانا ، وأنم فلانا ـ خرجت بالأسماء
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٦٧٨) ، كتاب «صفة الجنة» باب : ما جاء في صفة أهل الجنة ، وأحمد (١ / ١٧١) ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٦ / ٢٠٨) (٢١٩٠) ، وابن المبارك في «الزهد» (٢ / ١٢٦) (٤١٦).
قال الترمذي : هذا الحديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٤٥٣) برقم : (٣٢١١٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٧٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٢٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٣٤) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير.
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٤٥٦) برقم : (٣٢١٤٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٣٠) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٧٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٣٥) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن نصر ، وابن جرير ، وابن المنذر.
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٤٥٦) برقم : (٣٢١٤٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٧٥)