يلزمه أن يرعاه حقّ رعيه ، وقال الضّحّاك وغيره (١) : الضمير للأخلاف الذي جاؤوا بعد المبتدعين لها ، وروّينا في «كتاب الترمذيّ» عن كثير بن عبد الله المزنيّ ، عن أبيه ، عن جدّه : «أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لبلال بن الحارث : اعلم ، قال : ما أعلم يا رسول الله؟ قال : اعلم يا بلال! قال : ما أعلم يا رسول الله؟ قال : أنّه من أحيا سنّة من سنّتي قد أميتت بعدي ، فإنّ له من الأجر مثل من عمل بها ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن ابتدع بدعة ضلالة ، لا يرضى الله ورسوله بها ـ كان عليه مثل آثام من عمل بها ، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا» (٢). قال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، انتهى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٢٩)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) قالت فرقة : الخطاب بهذه الآية لأهل الكتاب ، ويؤيده الحديث الصحيح : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي» الحديث (٣) ، وقال آخرون : الخطاب للمؤمنين من هذه الأمة ، ومعنى (آمِنُوا بِرَسُولِهِ) أي : اثبتوا على ذلك ودوموا عليه ، (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) أي : نصيبين بالإضافة إلى ما كان الأمم قبل يعطونه ، قال أبو موسى : (كِفْلَيْنِ) : ضعفين بلسان الحبشة ، والنور هنا : إمّا أن يكون وعدا بالنور الذي / يسعى بين الأيدي يوم القيامة ، وإمّا أن يكون استعارة للهدى الذي يمشى به في طاعة الله.
وقوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ ...) الآية : روي أنّه لما نزل هذا الوعد المتقدم للمؤمنين ، حسدهم أهل الكتاب على ذلك ، وكانت اليهود تعظّم دينها وأنفسها ، وتزعم أنّهم أحبّاء الله وأهل رضوانه ، فنزلت هذه الآية معلمة أنّ الله فعل ذلك ، وأعلم به ؛ ليعلم أهل الكتاب أنّهم ليسوا كما يزعمون ، و «لا» في قوله : (لِئَلَّا) زائدة ، وقرأ ابن عبّاس والجحدريّ (٤) : «ليعلم أهل الكتاب» ، وروى إبراهيم
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦٩٢) ، برقم : (٣٣٦٨١) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٧٠)
(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٥) ، كتاب «العلم» باب : ما جاء في الأخذ بالسنة ، واجتناب البدع (٢٦٧٧). قال الترمذي : هذا حديث حسن وللحديث شواهد في الصحيح.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) وقرأ بها عبد الله.