«فامضوا إلى ذكر الله» وقال ابن مسعود : لو قرأت : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) لأسرعت حتّى يقع ردائي ، وقال العراقيّ : (فَاسْعَوْا) معناه بادروا ، انتهى ، وقوله : (إِلى ذِكْرِ اللهِ) هو وعظ الخطبة ؛ قاله ابن المسيب ، ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح : «إذا كان يوم الجمعة ، كان على كلّ باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأوّل ، فإذا جلس [الإما] م طووا الصحف ، وجاؤوا يستمعون الذّكر» الحديث خرّجه البخاريّ ومسلم ، واللفظ لمسلم ، والخطبة عند الجمهور شرط في انعقاد الجمعة» (١) ، وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ يبعث الأيّام يوم القيامة على هيئتها ، ويبعث الجمعة زهراء منيرة ، أهلها محفّون بها ؛ كالعروس تهدى إلى كريمها ، تضيء لهم ؛ يمشون في ضوئها ؛ ألوانهم كالثّلج بياضا ، وريحهم يسطع كالمسك ، يخوضون في جبال الكافور ، ينظر إليهم الثّقلان ، ما يطرفون تعجّبا ، يدخلون الجنّة لا يخالطهم إلّا المؤذّنون المحتسبون» خرّجه القاضي الشريف أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشميّ ، قال صاحب «التذكرة» (٢) : وإسناده صحيح ، انتهى.
وقوله سبحانه : (ذلِكُمْ) إشارة إلى السعي وترك / البيع.
وقوله : (فَانْتَشِرُوا) أجمع الناس على أنّ مقتضى هذا الأمر الإباحة ، وكذلك قوله : «وابتغوا من فضل الله» أنّه الإباحة في طلب المعاش ، مثل قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] إلا ما روي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض ، أو صلة صديق ، أو اتّباع جنازة» ، قال* ع (٣) * : وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة ، ونحوه عن جعفر بن محمّد ، وقال مكحول : الفضل المبتغي : العلم فينبغي أن يطلب إثر الجمعة.
__________________
(١) إنما اشترط تقديم الخطبتين ، لأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يفعلها إلا كذلك مع خبر : «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، ولإجماع السلف والخلف على ذلك.
ومخالفة الحسن البصري باجتهاده في جوازها بعد الصلاة ، شاذة مردودة ، لأنها بعد انعقاد الإجماع فهي غير معتبرة ، ولأنها شرط ، والشرط مقدم على المشروط ، وقال الشيخ الرملي : وللتمييز بين الفرض والنفل ، وليدرك الصلاة من يدرك الخطبة ، ولظاهر قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) ، أباح الانتشار بعدها ، ولو جاز تأخيرها لما أباح الانتشار.
وقال في «شرح المهذب» : ثبتت صلاته صلىاللهعليهوسلم بعد الخطبتين ، وروى الشيخان عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما.
(٢) ينظر : «التذكرة» (١ / ٢٦٢)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٠٩)