(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٣١)
وقوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) القول فيها كالتي في سورة المزمل.
وقوله سبحانه : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) كلام واضح لا يفتقر إلى تفسير ، جعلنا الله ممن اهتدى بأنواره ، وعمّت عليه بركته في أفعاله وأقواله ؛ قال الباجيّ : قال بعض أهل داود الطائيّ : قلت له يوما : إنّك قد عرفت فأوصني ، قال : فدمعت عيناه ثم قال : يا أخي ، إنّما الليل والنهار مراحل يرحلها الناس مرحلة مرحلة ، حتّى تنتهي بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدّم من أوّل مرحلة زادا لما بين يديك فافعل ؛ فإنّ انقطاع السفر قريب ، والأمر أعجل من ذلك ؛ فتزوّد لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنّ بالأمر قد بغتك ، ثم قام وتركني ، انتهى من «سنن الصالحين».
وقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) : نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم ، ولا يردّ هذا وجود مالهم من الاكتساب ، وقرأ عبد الله (١) : «وما تشاءون إلّا ما شاء الله».
وقوله تعالى : (عَلِيماً حَكِيماً) معناه : يعلم ما ينبغي أن ييسر عبده إليه ، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلّا هو سبحانه.
__________________
(١) ينظر : «الشواذ» ص : (١٦٧) ، و «الكشاف» (٤ / ٦٧٦) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٤١٥) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣٩٣)