الخصيصة الثالثة للوحى القرآنى :
وهى أن الله تعالى قد وكل به جميعه أمين الوحى جبريل ـ عليهالسلام ـ خاصة دون ملك سواه ، لقوله تعالى شأنه : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٥٨).
فالروح الأمين هو سيدنا جبريل ـ عليهالسلام ـ بإجماع المفسرين ، وقد سماه الله تعالى روحا لأنه جسم لطيف روحانى خلق من الرّوح ، أو لأنه روح كله لا كالناس الذين فى أبدانهم روح ، أو لأنه لمجيئه بالوحى والدين بمثابة الروح الذى تثبت معه الحياة (٥٩).
وقد نعت بالأمين : لأنه الحفيظ المؤتمن على وحى الله ، ومبلغه لأنبيائه.
كذلك سماه الله تعالى (روح القدس) فى قوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٦٠).
وذلك لأنه الروح المطهرة من أدناس البشرية ، فالقدس : هو الطهر والنقاء ، والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة.
وقد نقل عن النحاس أن القدس : هو الله تعالى ، والمعنى : أن جبريل روح الله تعالى ـ والإضافة للملكية ـ لأنه كان بتكوين الله تعالى له من غير ولادة (٦١) ، وفى كل هاتيك المعانى كان لجبريل مزيد اختصاص بها من بين سائر الملائكة ، إذ هو منهم كالرسول صلىاللهعليهوسلم من أفراد أمته ، ولذلك اختاره الله ـ سبحانه ـ لأشرف المهام ، فوكله بالكتب والوحى إلى الأنبياء ، وبالنصر عند الحروب ، وبالمهلكات إذا أراد أن يهلك قوما ، وقد أخرج ابن أبى حاتم عن عطاء : «أول ما يحاسب جبريل ؛ لأنه كان أمين الله على رسله» (٦٢).
* وإذا ما تساءلنا عن كيفية تلقى الأمين جبريل ـ عليهالسلام ـ وحى القرآن من الله تعالى ، وهل تلقاه مباشرة أو بواسطة؟ فإننا نجد للعلماء أقوالا أربعة فى هذا الصدد :
أولها : أن جبريل ـ عليهالسلام ـ قد تلقف التنزيل من الله تعالى تلقفا روحانيا ، قال بذلك العلامة الطيبى ، والقطب الرازى فى حواشيه على «الكشاف» ، حيث قال :
(والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا ....) (٦٣).
وثانيها : أن جبريل ـ عليهالسلام ـ قد أخذ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به على النبى صلىاللهعليهوسلم. وهذا هو المعنى الثانى لإنزال الكتب على الرسل ، حيث قال الطيبى : (لعل نزول القرآن على الملك : أن يتلقفه تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به على النبى صلىاللهعليهوسلم فيلقيه إليه) (٦٤).