مفاهيم المخالفة هى اللغة ، قال المحلى : (يقول كثير من أئمة اللغة بها منهم أبو عبيدة وعبيد تلميذه قالا فى حديث «الصحيحين» مثلا :
«مطل الغنى ظلم» أنه يدل على أن مطل غير الغنى ليس بظلم ، وهم إنما يقولون فى مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب) أه. وأنه لذلك حجة لدى الجمهور ، وخالف فى ذلك الحنفية وهم محجوجون بما سبق من حتمية أن تكون للقيد فائدة.
وبعد ـ فقبل أن ننفض أيدينا من هذا البحث ، نرى أن نطلع القارئ الكريم على ما كتبه فيه أهل علوم القرآن ، مجتزئين فى ذلك بقول السيوطى ، ففيه ـ فوق التلخيص لمعظم ما سبق مما نقلناه من كلام أهل الأصول ـ فوائد أخرى تضاف إليه ، قال رحمهالله :
المنطوق : ما دل عليه اللفظ فى محل النطق ، فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص ، نحو :
(فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (٦) ، وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدا فى الكتاب والسنة. وقد بالغ إمام الحرمين (٧) وغيره فى الرد عليهم ، قال : لأن الغرض من النص
الاستقلال بإفادة المعنى على قطع ، مع انحسام جهات التأويل والاحتمال ؛ وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ رد إلى اللغة ، فما أكثره مع القرائن الحالية والمقالية ؛ انتهى. أو مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا ، فالظاهر نحو : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٨) ، فإن الباغى يطلق على الجاهل وعلى الظالم ، وهو فيه أظهر وأغلب ، ونحو : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (٩) ، فإنه يقال للانقطاع : طهر ، وللوضوء والغسل ، وهو فى الثانى أظهر ، فإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل ، ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولا ، كقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (١٠) ؛ فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات ، فتعين صرفه عن ذلك وحمله على القدرة والعلم ، أو على الحفظ والرعاية ، وكقوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (١١) فإنه يستحيل حمله على الظاهر ، لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة ، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق. وقد يكون مشتركا بين حقيقتين ، أو حقيقة ومجاز ، ويصلح حمله عليهما جميعا ، سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ فى معنييه أو لا. ووجهه على هذا أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين : مرة أريد هذا ، ومرة أريد هذا. ومن أمثلته : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (١٢) ؛ فإنه يحتمل : لا يضار الكاتب والشهيد صاحب الحق بجور فى الكتابة والشهادة «ولا يضارّ» بالفتح ، أى : لا يضرهما صاحب الحق بإلزامهما ما لا يلزمهما ، وإجبارهما على الكتابة والشهادة.