الحكم الشرعى خمسة وعشرين قسما من ضرب خمسة التكليفى فى خمسة الوضعى.
أما الفقهاء فيجعلون الحكم الشرعى مدلول ذلك الخطاب أو قل : صفة فعل المكلف ، فالحكم عند الأصوليين الإيجاب الذى هو صفة قائمة بذاته سبحانه ، والوجوب الذى هو صفة فعل المكلف هو الحكم عند الفقهاء.
وقد اعتنى معظم المفسرين ـ ولا سيما أصحاب التفاسير المبسوطة منهم ـ بهذا النوع من مقاصد القرآن كل حسب مشربه ومذهبه ، بل أفرده بالتصنيف جماعة كثيرة فى القديم والحديث. قال الزركشى فى «البرهان» : (أولهم : الشافعى ، ثم تلاه من أصحابنا الكيا الهراس ، ومن الحنيفة أبو بكر الرازى ، ومن المالكية القاضى إسماعيل ، وبكر ابن العلاء القشيرى ، وابن بكر ، ومكى ، وابن العربى ، ومن الحنابلة القاضى أبو يعلى الكبير) (١) ، بل إن من المفسرين من جعل من أعظم غاياته فى تصنيف تفسيره العناية بهذا النوع حتى سمى كتابه «بالجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان» فصدر العنوان عن كتابه كما ترى بالجامع لأحكام القرآن ، وذلكم هو أبو عبد الله القرطبى فى تفسيره الضخم المشهور بين أيدى الناس حتى صار كل من يريد التوسع فى معرفة حكم من أحكام القرآن يرجع إلى هذا التفسير باعتباره أعظم مصدر للوفاء بهذه الطلبة.
منهج القرآن العظيم فى سياق أحكامه
بيّن العلماء منهج القرآن فى سياق أحكامه ويتلخص هذا المنهج فى نظرتين هما :
إحداهما : أن القرآن أتى جامعا للأحكام بطريقة كلية إجمالية دون النظر إلى واحد من أقسام الأحكام الشرعية. هذا ما نصّ عليه الشاطبى فى «الموافقات» ، وذكر أن السنة جاءت مفسرة لأحكامه الكلية ؛ ولذا تضمن القرآن الكليات المعنوية على الكمال ، وهى الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، وكذلك أتى بأصول العبادات والمعاملات ، فكل ما استنبط من الأحكام بالسنة أو الإجماع أو القياس فإنما نشأ عن القرآن ، واستدل الشاطبى لذلك ، ثم ذكر أنه لا ينبغى فى الاستنباط الاقتصار على القرآن دون النظر فى شرحه وهو السنة (٢).
ولو لا كلية التناول للأحكام لتضخم القرآن وعسر على الأمة حفظه. ولو لا هذه الكلية ما اتصف القرآن بالمرونة والصلاحية لكل عصر ، وكذلك لولاها ما حصل علماء المسلمين هذه الرتب العلية بالاجتهاد. هذه أولى النظرتين.