أما ثانيتهما : هى أن القرآن أتى بأحكام مفصلة ، وهذا هو القليل فى تناوله للأحكام ، وتتمثل هذه النظرة فى مقولة السيوطى ونقله عن العز بن عبد السلام ، قال : «قال عز الدين ابن عبد السلام فى كتاب «الإمام فى أدلة الأحكام» : (معظم آى القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة ، وأخلاق جميلة ، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام ، ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط ، إما بلا ضم إلى آية أخرى كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٣) ، وصحة صوم الجنب من قوله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) إلى قوله : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ) (٤) الآية ، وإما به كاستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ، مع قوله : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٥)).
قال : (ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر ، وتارة بالإخبار مثل : (أُحِلَّ لَكُمْ) (٦) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (٧) ، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (٨) ، وتارة بما رتب عليها فى العاجل أو الآجل من خير أو شر ، أو نفع أو ضر ، وقد
نوّع الشارع ذلك أنواعا كثيرة ، ترغيبا لعباده وترهيبا ، وتقريبا إلى أفهامهم ، فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله أو أحبه أو أحب فاعله ، أو رضى به أو رضى عن فاعله ، أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب ، أو أقسم به أو بفاعله كالإقسام بالشفع والوتر ، وبخيل المجاهدين ، وبالنفس اللوامة ، أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل ، أو لشكره له ، أو لهدايته إياه ، أو لإرضاء فاعله ، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته ، أو لقبوله ، أو لنصرة فاعله ، أو بشارته ، أو وصف فاعله بالطيب ، أو وصف الفعل بكونه معروفا ، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله ، أو وعده بالأمن ، أو نصب سببا لولايته ، أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله ، أو وصفه بكونه قربة ، أو بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء ، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب ، وكل فعل طلب الشارع تركه ، أو ذمه أو ذم فاعله ، أو عتب عليه أو مقت فاعله أو لعنه ، أو نفى محبته أو محبة فاعله ، أو الرضا به أو عن فاعله ، أو شبه فاعله بالبهائم أو بالشياطين ، أو جعله مانعا من الهدى ، أو من القبول ، أو وصفه بسوء أو كراهية ، أو استعاذة الأنبياء منه أو أبغضوه ، أو جعله سببا لنفى الفلاح ، أو لعذاب عاجل أو آجل ، أو لذم أو لوم أو ضلالة أو معصية ، أو وصف بخبث أو