العاشرة : تحصيل الفوائد التبعية مثل معرفة تاريخ التشريعات والحضارات الذى يفيد فى الإلمام بفوائد المدنية. كعلمنا بأن الشريعة القبطية كان يسترق فيها السارق من قصة يوسف فى قوله تعالى : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١٨).
ثم أجاب عن تساؤل : لما ذا لم يكتف بالقصة الواحدة فى تحصيل المقصود منها ، وما فائدة التكرار فى سور كثيرة؟
فذكر أن هذا الهاجس قد يكون تطرق من المناهج الإلحادية فى نظرتها للقرآن. ولكننا نقول : إن القرآن أقرب إلى الوعظ منه إلى التأليف ، فالخطيب لو قام يعظ لو أعاد المعانى لم يعد الألفاظ ، فالقرآن تارة تأتى القصة للبرهان وتارة للتبيان فيحصل بها مقاصد الخطبة والوعظ وتحصل معه مقاصد أخرى :
أحدها : الرسوخ فى الأذهان.
الثانى : إظهار البلاغة بتعدد الأساليب البديعة فى التعبير عن الغرض الواحد ، فذلك وجه من وجوه الإعجاز.
الثالث : أن يسمع من تأخر إسلامه القصة التى نزلت فى وقت سبق إسلامه ؛ لأن سماعه للقصة عند نزولها أوقع فى نفسه.
الرابع : لم يكن المسلمون كلهم يحفظون القرآن بأكمله ، بل يحفظ البعض بعض السور ، وعليه يكون من حفظ سورة فيها القصة لم يفت الآخر الذى حفظ سورة أخرى معرفة نفس القصة ؛ لأنها مكررة فى السورة التى حفظها.
الخامس : أن فى كل مرة تكرر فيها القصة يذكر فيها ما لم يذكر فى غيرها ؛ وذلك تجنبا للتطويل ومناسبة للحالة المقصودة من سامعيها ، فتارة تساق للمؤمنين ، وتارة تساق للكافرين ، وبذلك يتفاوت الأسلوب بين الإطناب والإيجاز على حسب المقام ، فقصة موسى عليهالسلام التى بسطت فى سورة طه والشعراء أوجزت فى سورة الفرقان فى آيتين هما : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (١٩) انتهى. تحرير الطاهر بن عاشور.
ولا شك أن الفوائد التى ذكرها بعضها أعظم من بعض ، وإن لاحظنا العموم عليها بحيث تشمل جميع القصص القرآنى ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لكل قصة فائدتها الخاصة بها. ومن أراد ذلك فليطالع على سبيل المثال ما ذكره القاسمى فى تفسيره لسورة يوسف فى الآية الأخيرة منها.
أ. د. / إبراهيم عبد الرحمن خليفة