ومن ميزاته أيضا التى ذكرها : طىّ ما يقتضيه الكلام الوارد فى قوله تعالى :
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ) (١٥) فقد طوى حضور سيدها وطرقه للباب وإسراعهما إليه لفتحه.
ومن ميزاته أيضا : أنه ـ القصص ـ مثبت بأسلوب بديع إذ ساقها فى مظان الإيقاظ مع المحافظة على الغرض الأصلى من تشريع ، فتوفرت فى ذلك عشر فوائد :
الأولى : كانت غاية علم أهل الكتاب نقل أخبار الأولين ، فلما جاء القرآن بقصصه متحديا ومعجزا لهم ؛ لأن هذه الأخبار كان لا يعلمها إلا الراسخون فى العلم منهم فقال تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) (١٦) فنفى عن المسلمين صفة الأمية التى ادعتها اليهود ، وصفة الجهل التى ادعتها النصارى.
الثانية : تكليل هامة التشريع الإسلامى بذكر تاريخ المتشرعين وذلك من أدب الشريعة ؛ لأنه لا يتعرض لقصص السابقين إلا لذكر ثبات إيمانهم وصبرهم ، كما ذكر فى قصة أهل الكهف ، ولا يذكر نسبهم ولا حسبهم.
الثالثة : فائدة ظهور المثل العليا فى الفضيلة وزكاء النفوس كفائدة من التاريخ وترتب الأحداث والعلاقة بين التعمير والتخريب والشر والخير.
الرابعة : عظة المشركين بإعلام ما حدث لأسلافهم ليعودوا لربهم (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧).
الخامسة : استخدام القصص القرآنى لأسلوب التوصيف والمحاورة الذى لم يعتده العرب ، فهم يعترفون بأنه أسلوب بديع ، ولكنهم لا يستطيعون الإتيان بمثله.
السادسة : توسيع علم العرب الذين كانوا يتصفون بالجهل والأمية باطلاعهم على أحوال الأمم السابقة ليساعدهم ذلك فى تطهير أخلاقهم وتهذيبها.
السابعة : تعويد المسلمين على سعة العالم وعظمة الأمم ، والاعتراف لكل ذى حق بحقه ؛ فإذا علمت الأمة ذلك جمعت ميزات هذه الأمم وما يلائم حياتها.
الثامنة : إنشاء همة السعى إلى سيادة العالم فى نفوس المسلمين كما سعى إلى ذلك أمم سابقة.
التاسعة : معرفة أن قوة الله فوق كل قوة ، فيساعد ذلك المسلمين على التمسك بوسيلتى البقاء : الاستعداد ، والاعتماد ، وهما وسيلتا السلامة.