ويقال : رتل الكلام : أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه. وترتيل القراءة : الترسل فيها والتبيين من غير بغى (٥). وفى الاصطلاح :
القراءة بتؤدة واطمئنان مع تدبر المعانى ومراعاة أحكام التجويد من إعطاء الحروف حقها من الصفات والمخارج ، ومد الممدود وقصر المقصور ، وترقيق المرقق وتفخيم المفخم مما يتفق وقواعد التجويد. وهو أفضل المراتب الأربعة ، فقد أمر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال جل شأنه : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (سورة المزمل آية ٤)
والفرق بين الترتيل والتحقيق ـ فيما ذكره بعض العلماء ـ أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين ، والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط ، فكل تحقيق ترتيل ، وليس كل ترتيل تحقيقا (٦).
وقول السيوطى : «كل تحقيق ترتيل وليس كل ترتيل تحقيقا». يريد به بيان النسبة بين الترتيل والتحقيق ـ على ما أعتقد ـ مما يكون فى مقام التعليم يطلق عليه تحقيق ويطلق عليه ترتيل أيضا ؛ لأن مقام التعليم لا ينافى التدبر والتفكر ، وما يكون فى مقام التدبر والتفكر يطلق عليه ترتيل ، ولا يطلق عليه تحقيق لأنه ليس مقام تعليم وتمرين.
إذن : فالتحقيق أعم والترتيل أخص ، والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، وهو أن يجتمع الشيئان فى شىء واحد وينفرد الأعم.
حكم الاستعاذة
اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة من مريد القراءة ، واختلفوا بعد ذلك هل هذا الطلب على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟. فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء إلى أنه على سبيل الندب ، وقالوا : إن الاستعاذة مندوبة عند إرادة القراءة ، وحملوا الأمر فى قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (سورة النحل آية ٩٨). على الندب فلو تركها القارئ لا يكون آثما.
وقال ابن سيرين ـ وهو من القائلين بالوجوب ـ : لو أتى الإنسان بها مرة واحدة فى حياته كفاه ذلك فى إسقاط الواجب عنه.
وصيغة الاستعاذة عند جميع القراء : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». لأن هذا الصيغة هى الواردة فى القرآن الكريم كما فى الآية السابقة ، وهى الواردة أيضا عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ففي الصحيحين من حديث سليمان بن صرد ـ رضى الله عنه ـ قال : «استبّ رجلان عند رسول صلىاللهعليهوسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمرّ وجهه ، فقال النبى