مثل أن يقال : خالد كالأسد فى الشجاعة :
وخالد كالأسد شجاعة.
والتشبيه فى القرآن الكريم لم يخرج عن هذه الضوابط التى ذكرناها تمهيدا لفهم تشبيهات القرآن الكريم ومنزلتها فى البيان المعجز الرفيع.
والتشبيه فى القرآن الكريم من أساليب بلاغته العالية وهو فيه كثير الورود ، بلغت صوره ما يقارب الخمسمائة صورة ، وشملت كل أنماط التشبيه من حيث الإفراد والتركيب فى الطرفين والوجه ، ومن حيث الحسية والمعنوية فيهما ، وأدت هذه الصور خدمات بيانية وتربوية فى مجال الدعوة تحنو لها الجباه ، وكانت وجها أو وجوها من وجوه الإعجاز القرآنى المفحم للإنس والجن ، وحفلت بدقائق ولطائف وأسرار ليس لها نظير خارج دائرة البيان القرآنى.
وجمعت فى دلالاتها بين إقناع العقل ، وإمتاع العاطفة وتغذية القلوب ، وكشفت عن خبيئات المعانى ، ترغيبا وترهيبا ، تحبيبا وتنفيرا ، ومثلت الخفى فى صورة الجلى ، والغامض فى صورة المكشوف ، وخاطبت كل حواس الإدراك فى الإنسان وكل ملكات الفهم والتذوق عند العقلاء.
خذ إليك مثلا قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٥).
جاء التشبيه فى نهاية الآية ، وقد تقدم عليه ما ينفى عنه كل نقص ، هو قوله تعالى :
(فِي سَبِيلِهِ) دفعا للقتال الذى لم يرد به نصرة الحق ، كالقتال عصبية ، أو ظلما.
كما تقدم عليه قوله تعالى (صَفًّا) إلماحا إلى شدة التماسك بين المجاهدين فى سبيل الله ، بحيث لا يترك تماسكهم أدنى خلل يضعف قوتهم. ثم جاء التشبيه شارحا لذلك التماسك المفهوم من قوله : (صَفًّا) هكذا :
كالبنيان ووجه الشبه هو «القوة والإحكام ، وهو محذوف وقد صار التشبيه بحذف الوجه مجملا ، فأفاد عموم الاشتراك بين المشبه والمشبه به ، وهو أحد عنصرى التشبيه البليغ.
ومن سحر البيان فى هذا التشبيه إيثار أداة التشبيه كأن وقد تقدم أن ذكر الأداة يكون معه التشبيه مرسلا ، والإرسال أدنى دلالة من التوكيد الذى يترتب على حذف الأداة ، لكن الأداة كأن دفعت هذا الاحتمال لأن «كأن» مركبة من عنصرين كما ترى :
الكاف ، ثم أن. وهى من أدوات التوكيد ، لأنها من أخوات «إن»
هذا التركيب يوحى بأن «الكاف هى أداة التشبيه ، أما «أن» فهى أداة توكيد قائمة برأسها. فيكون التشبيه فى الآية مؤكدا ،