فيزول عن هذه الصورة التشبيهية وصف الإرسال.
وحتى لو لم تكن «كأن» مركبة. فهى عند فريق من العلماء تستعمل فى التشبيه المؤكد ، فيكون مرسلا من جهة ، ذكر الأداة لفظا ، ومؤكدا من جهة معنى «كأن».
والمشبه به (بُنْيانٌ) جىء به منكرا بقصد التعظيم أى بنيان عظيم فى قوة تماسكه.
أما قوله (مَرْصُوصٌ) فقد كمل به الحسن من كل وجه ، لأن البنيان قد يكون على هيئة لا تماسك فيها. فجاء «مرصوص» بمثابة احتراس لدفع كل عوامل الوهن عن المشبه به.
أما من حيث تحليل عناصر هذا التشبيه فإن الملاحظ فيه :
أن المشبه مفرد حسى وإن كان جمعا : لأن المثنى والجمع فى هذا المبحث من قبيل الإفراد ، وهو الذين يقاتلون فى سبيل الله صفا.
والمشبه به مفرد حسى كذلك ، وهو البنيان المرصوص والوجه مفرد حسى ، وهو : قوة التماسك الملحوظة فى المشبه والمشبه به معا.
أما الغرض من التشبيه فهو الترغيب.
ومثال آخر ، هو قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (٦)
التشبيه هو قوله تعالى : (وَسِراجاً مُنِيراً) والخطاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. المشبه فيه هو النبى عليهالسلام.
والمشبه به هو السراج ، وأداة التشبيه محذوفة والوجه محذوف كذلك. وليس هو (مُنِيراً) لأنه وصف للمشبه به ، لا منصوب على التمييز ، حتى يصلح أن يكون وجها للتشبيه.
وإنما الوجه هو : فى الهداية «لأن الهداية متحققة فى الطرفين المشبه (محمد صلىاللهعليهوسلم) والمشبه به (السراج المنير).
والمشبه والمشبه به مفردان حسيان ، والوجه (الهداية) مفرد عقلى معنوى. والغرض الثناء وفى هذا التشبيه لطيفة من لطائف البيان العالى والبلاغة الآسرة والإعجاز الحكيم.
ذلك أن المشبه به هو السراج ، والسراج مصدر ضوئى ذاتى ، كالشمس ، وليس مصدر إنارة مستمدة من غير السراج. فكان الظاهر أن يقال : وسراجا مضيئا. كما قال :
(الشَّمْسَ ضِياءً) أى جعلناها مضيئة لا منيرة ، لأن الضوء ما صدر عن مصدره صدورا مباشرا. أما النور والإنارة فمصدره