والكنايات التى تقدم الحديث عنها ، كلها كنايات عما يقع فى دائرة الحلال بين الأزواج والزوجات ، ومنها كنايات عن صفة ، إلا الرفث فإنه كناية عن موصوف ، هو الكلام الفاحش.
وأما ما يقع فى دائرة الحرام ، فقد كنى عنه القرآن الكريم بالزنى ، وإتيان الفاحشة ، تنفيرا عنه ، وتزهيدا فيه بعيدا عن الإسفاف والتبذل فى الألفاظ المكشوفة الفاضحة.
ومما يلفت النظر التعبير عن الزنى ب «السفاح» ومن شواهده قوله تعالى :
(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) (١٣)
وأصل السفح هو تدفق الدم المملوء بالسموم ، الذى يندفع من الشاه بعد ذبحها.
وفى تكنية القرآن الكريم عن «الزنى» بالسفاح كناية لطيفة أخرى متولدة عن الكناية الأولى ، شبه فيها ماء الرجل الذى يصب فى رحم الزانية بالدم المسفوح المملوء بالسموم القاتلة. لأن الدم المسفوح يضر بصحة البدن وحده ، لذلك حرّمه الله على الآكلين. أما ماء الزناة فهو قاتل لشرف النسل وأخلاق الفضل والعفة والطهارة فتأمل هذه المعانى السامية ، التى تشع من كنايات كتاب الله العزيز ، لتدرك لما ذا يعدل القرآن عن التصريح إلى الكناية التى هى الصفة الشائعة فى القرآن الكريم. ومنها فى غير العلاقات الزوجية ، قوله تعالى فى الحديث عن عيسى عليهالسلام وأمه رضى الله عنها :
(كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ)
إنها كناية مهذبة طاهرة ، عدل القرآن الكريم إليها عن : كانا يتغوطان ويتبولان. حيث كنى بأكل الطعام ، وهو طاهر نظيف طيب ، عن التغوط والتبول ، وهما يثيران التقزز والاشمئزاز فى النفوس ، فضلا عن خبثهما ونجاستهما.
ولو جاء التعبير بالتغوط والتبول لكان فى ذلك إيحاء بكشف عوراتهما أمام عيون الخيال البشرى ، والقرآن يستر العورات فى الواقع ، وفى التعبير.
وقد يقول قائل : إن التعبير بالتغوط جاء صريحا فى القرآن فى مواضع أخرى ، مثل :
(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) (١٤) فلما ذا عدل الله عنه فى الحديث عن عيسى عليهالسلام ، وأمه رضى الله عنها؟ ونقول : ما ورد فى (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) لا حرج فيه ، لأنه لم يأت وصفا لإنسان معين ، بل هو حديث عام يشمل جميع المكلفين.
أما فى الحديث عن عيسى وأمه ، فهو حديث خاص عنهما فى المقام الأول. من أجل ذلك روعى معهما تحشمهما ووقارهما.