(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٢٣).
وتناول الشعراء هذا الأسلوب فأصابوا وأخطئوا.
وجاءت المبالغة فى القرآن قوية جزلة لا تنبو عن ذوق ولا ينكرها عقل. مثل قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) (٢٤).
ففي هذه الآية مبالغة مقبولة غير منكرة ولا نافرة تصف أثر الخوف وهذا يصوره زوغ الأبصار لشدة الاضطراب وهذا أمر واقع ، عطف عليه أمر قريب من الواقع هو بلوغ القلوب الحناجر فإن القلب حين يضطرب تظهر آثار اضطرابه فى تهدج الصوت واضطرابه ، والصوت يكون مسموعا بعد مروره بالحنجرة ، فلذلك ساغ هذا التعبير وقوى به المعنى وحسن.
ومثل قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (٢٥). مبالغة فى صفاء الزيت.
وقوله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (٢٦) .. مبالغة فى تصوير الظلمة المحيطة به.
وجاءت هذه المبالغة على ألسنة الشعراء فأصابوا وأبعدوا فى الخطأ.
قال الأعشى :
فتى لو ينادى الشمس ألقت قناعها |
|
أو القمر السارى لألقى المقالد |
فقد غالى فى تصوير المعنى فعلق تبذل الشمس على مجالسته لها ، وكذلك تخلى القمر السارى عن المقالد مرهون بتلك المجالسة ، وهذه مبالغة موصوفة بالغلو. ولم يخل كلامه من التكلف ؛ فقد أثبت للشمس قناعا وللقمر مقالد وجوز فى جانبهما المنادمة.
وقال أبو نواس :
وأخفت أهل الشرك حتى أنه |
|
لتخافك النطف التى لم تخلق |
وهذا البيت معيب «لما فى ذلك من الغلو والإفراط الخارج عن الحقيقة».
وصحة التقسيم جاء فى الكتاب الحكيم على أبلغ وجه ، وأصح منهج كقوله :
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢٧).
وقوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٢٨).