الآية الأولى : تبين قسمى أثر البرق عند الناس.
والآية الثانية : تبين أقسام الناس يوم العرض ، فهم ثلاثة لا رابع لهم. فهذه قسمة صحيحة.
وقد أخطأ بعض الشعراء عند ما تناولوا هذا الفن. مثل قول البحترى :
قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا |
|
أو معينا أو عاذرا أو عذولا |
(إ) ٢٩ قال ابن الأثير : «فإن المشوق يكون حزينا والمسعد يكون معينا ، وكذلك يكون عاذرا ..
وكثيرا ما يقع البحترى فى مثل ذلك».
وعابوا قول أبى الطيب :
فافخر فإن الناس فيك ثلاثة |
|
مستعظم أو حاسد أو جاهل |
لأن المستعظم يكون حاسدا ، والحاسد يكون مستعظما ، ومن شرط التقسيم ألا تتداخل أقسامه بعضها فى بعض» (٣٠).
«وأما صحة التقسيم .. فأن تكون الأقسام المذكورة لم يخل بشيء منها ، ولا تكررت ولا دخل بعضها فى بعض».
ومثل للمعيب منه بقول جرير :
صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم |
|
من العبيد وثلث من مواليها |
ثم علق عليه قائلا : فهذه قسمة فاسدة من طريق الإخلال لأنه قد أخل بقسم من الثلاثة. وقيل : إن بعض بنى حنيفة سئل من أى الأثلاث هو؟ قال : من الثلث الملغى» (٣١).
وهذه لمحة نقد بالغة الدقة.
وجاء الإيجاز فى القرآن الكريم بقسميه :
إيجاز الحذف وإيجاز القصر ، فلم يبهم معه معنى ولا اختفى معه مراد. كقوله تعالى :
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٣٢) ، وقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) (٣٣) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٣٤) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (٣٥) ، وقوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) (٣٦) ، وقوله تعالى : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٣٧) ، وقوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) (٣٨).
والقرآن ملىء بمثل هذه الدرر الغوالى مع قوة المعنى ووضوحه وشدة أسره للأفهام.
وقد تناوله قوم فأصابوا وأخطئوا ، فأما ما جاء فى القرآن فهو أبلغ منه وأوجز ، ولعل مضرب الأمثال فى ذلك قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٣٩).
فإذا قورن به قول العرب : «القتل أنفى للقتل». فإن عبارة القرآن قد فاقته من عدة