الشريعة قليل ، وذلك لأمور : أحدها : النص الصريح على أن الآيات المحكمات أم الكتاب ، وذلك فى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (آل عمران : ٧).
وأمّ الشيء : معظمه وعامته ، والأم أيضا الأصل والعماد ، كما فى القاموس.
ولذلك قيل لمكة : (أم القرى) لأن الأرض دحيت من تحتها.
فإذا كان ذلك كذلك فقوله تعالى : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) إنما يراد بها القليل.
والثانى : أن المتشابه لو كان كثيرا لكان الالتباس والإشكال كثيرا ، وعند ذلك لا يطلق على القرآن أنه بيان وهدى.
وقد نزل القرآن ليرفع الاختلاف الواقع بين الناس ، والمشكل الملتبس إنما هو إشكال وحيرة لا بيان وهدى ، ولو لا أن الدليل أثبت أن فيه متشابها لم يصح القول به ، وما جاء فيه من ذلك المتشابه الذى لم يتعلق به حكم بالمكلفين من جهته زائد على الإيمان به يجب أن نقرّه على ما جاء ، ولا نخوض فى تأويله.
الثالث : استقراء المجتهد إذا نظر فى أدلة الشريعة جرت له على قانون النظر ، واتسقت أحكامها ، وانتظمت أطرافها على وجه واحد ، كما قال تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١).
وقال تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (يونس : ١). وقال تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) (الزمر : ٢٣).
يعنى يشبه بعضه بعضا ، ويصدّق أوله آخره ، وآخره أوله ، أعنى أوله وآخره فى النزول (٣). أه.
(٥) [مواقع التشابه]
والتشابه لا يقع فى القواعد الكلية ، ولكن يقع فى الفروع الجزئية.
وقد عرف ذلك بالاستقراء والتتبع لأصول الشريعة أصلا أصلا ، وإنما كان التشابه فى الفروع والجزئيات دون الكليات ؛ لأن الأصول لو دخلها التشابه لكان أكثر الشريعة من المتشابه.
وقد عرفنا فى المسألة السابقة أن المتشابه بالنسبة إلى المحكم قليل ، وبسط هذه المسألة فى كتب الأصول.
وقد يسأل سائل فيقول : ما الحكمة من وجود المتشابه فى القرآن؟ ، فيكون الجواب أن لله فى كل شأن حكمة قد يطلعنا عليها أو على شىء منها ، وقد يخفيها عنا لحكمة يعلمها.
ونستطيع أن نفهم جانبا من الحكمة فى وجود المتشابه فى القرآن الكريم إذا عرفنا أنه كتاب هداية ومنهج حياة ، أنزله الله وافيا