أما الكتاب فقوله تعالى من سورة (آل عمران : ٧) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ). فقد أخبر الله ـ عزوجل ـ أنه لا يتبع المتشابه ، ولا يعمد إلى تأويله ابتغاء الفتنة إلا الذين فى قلوبهم زيغ ، وأما الراسخون فى العلم فيقولون : آمنا به كل من عند ربنا ، ولا يخوضون فى تأويل ما لا علم لهم به على التعيين. ويقفون فى قراءة الآية على لفظ الجلالة ، ويبتدئون بقوله :
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا).
وقد جاءت فى أفضلية الوقف على لفظ الجلالة فى الآية روايات عن القراء من الصحابة ، ذكرها ابن جرير وابن كثير فى تفسيريهما.
وجوز بعض العلماء الوقف على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) بناء على أنهم يعلمون المتشابه.
ولكن هذا فيما لم يستأثر الله بعلمه ، أما ما استأثر الله بعلمه فلا يعلمه أحد سواه.
الثانى : مذهب الخلف ، ويسمى مذهب المؤوّلة ـ بتشديد الواو وكسرها ـ وهم فريقان :
فريق يؤولها بصفات سمعية غير معلومة على التعيين ، ثابتة له ـ تعالى ـ زيادة على صفاته المعلومة لنا بالتعيين.
وفريق يؤولها بمعان نعلمها على التعيين ، وذلك بأن يحمل اللفظ الذى استحال ظاهره من هذه المتشابهات على معنى يسوغ لغة ، ويليق بالله عقلا وشرعا.
فقد قالوا فى تأييد مذهبهم هذا : إن المطلوب شرعا هو صرف اللفظ عن مقام الإهمال ؛ إذ لم يخاطب الله المكلفين بشيء لا يفهمون معناه ، ولا يعقلون المراد منه على الجملة. وما دام فى الإمكان حمل كلام الشارع على معنى سليم ؛ فالنظر قاض بوجوبه ؛ انتفاعا بما ورد عن الحكيم العليم.
الثالث : مذهب المتوسطين بين السلف والخلف.
وهؤلاء يقولون : إن التأويل نوعان : تأويل قريب ، وتأويل بعيد. فالقريب نقول به ، والبعيد نتوقف عنه.
وقد نسب السيوطى فى «الإتقان» (٥) هذا المذهب إلى ابن دقيق العيد ، ونقل عنه قوله :
إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم