الثانى : أن آخر ما نزل هو قول الله ـ تعالى ـ فى سورة البقرة أيضا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة آية : ٢٧٨. أخرجه البخارى عن ابن عباس ، والبيهقى عن ابن عمر.
الثالث : أن آخر ما نزل آية الدين فى سورة البقرة أيضا ، وهى قوله سبحانه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) إلى قوله سبحانه :
(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة الآية : ٢٨٢.
وهى أطول آية فى القرآن.
وأخرج ابن جريج عن سعيد بن المسيب :
(أنه بلغه أن أحدث القرآن عهدا بالعرش آية الدين).
وأخرج أبو عبيد فى «الفضائل» عن ابن شهاب قال : (آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين).
ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة بما قاله السيوطى رضي الله عنه من أن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها فى المصحف ؛ لأنها فى قصة واحدة ، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر ، وذلك صحيح.
قال الزرقانى فى «مناهل العرفان» (٤) بعد أن سرد هذه الأقوال : (ولكن النفس تستريح إلى أن آخر هذه الثلاثة نزولا هو قول الله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). وذلك لأمرين :
أحدهما : ما تحمله هذه الآية فى طياتها من الإشارة إلى ختام الوحى والدين ، بسبب ما تحث عليه من الاستعداد ليوم المعاد ، وما تنوّه به من الرجوع إلى الله واستيفاء الجزاء العادل من غير غبن ولا ظلم ، وذلك كله أنسب بالختام من آيات الأحكام المذكورة فى سياقها.
ثانيهما : التنصيص فى رواية ابن أبى حاتم السابقة على أن النبى صلىاللهعليهوسلم عاش بعد نزولها تسع ليال فقط ، ولم تظفر الآيات الأخرى بنص مثله) أه.
الرابع : أن آخر ما نزل هو سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) رواه مسلم عن ابن عباس.
ولكنك تستطيع أن تحمل هذا الخبر على أن هذه السورة آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبى صلىاللهعليهوسلم.
ويؤيده ما روى من أنه صلىاللهعليهوسلم قال حين نزلت :
«نعيت إلى نفسى».
وكذلك فهم بعض كبار الصحابة كما ورد أن عمر رضي الله عنه بكى حين سمعها وقال :
«الكمال دليل الزوال».