ويحتمل أيضا أنها ما نزل من السور فقط ، ويدل عليه رواية ابن عباس : «آخر سورة نزلت من القرآن جميعا : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ).
ويظن بعض أهل العلم أن آخر آية نزلت هى قوله تعالى فى سورة المائدة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ). والحق أنها ليست آخر ما نزل بإطلاق.
والبحث فى أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن يعتمد على النقل والتوقيف ، ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة أو الجمع بينها فيما ظاهره التعارض منها ، شأنه فى ذلك شأن كثير من مباحث علوم القرآن ، كمعرفة المكى والمدنى وأسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك.
الخامس : ولهذا البحث فوائد منها :
(أ) تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات على موضوع واحد ، وكان الحكم فى إحدى هذه الآيات يغاير الحكم فى الأخرى.
(ب) معرفة تاريخ التشريع الإسلامى ، ومراقبة سيره التدريجى ، والوصول من وراء ذلك إلى حكمة الإسلام وسياسته فى أخذه الناس بالهوادة والرفق ، والبعد بهم عن غوائل الطفرة والعنف ؛ سواء فى ذلك هدم ما مردوا عليه من باطل ، وبناء ما لم يحيطوا بعلمه من حق.
(ج) إظهار مدى العناية التى أحيط بها القرآن الكريم حتى عرف فيه أول ما نزل وآخر ما نزل ، كما عرف مكيه ومدنيه ، وسفريه وحضريه إلى غير ذلك.
ولا ريب أن هذا مظهر من مظاهر الثقة به ، ودليل على سلامته من التغيير والتبديل.
(لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
(د) ويضاف إلى هذه الفوائد فائدة أخرى ، وهى معرفة الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم ، عن طريق ربط أول ما نزل منه بآخره ، فإن من ينظر فى أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل يعرف الصلة الوثيقة بين آياته كلها فى ألفاظها ومعانيها ومراميها ، ويتبين له بوضوح أن أول ما نزل مقدمة تقود الباحث إلى ما فى هذا الكتاب العزيز من مقاصد وعبر وأحكام وحكم ، وآخر ما نزل يوجز كل ما ورد فيه من تلك المقاصد والعبر ، والأحكام والحكم فيلتقى الآخر بالأول فى نسق واحد ، ونسج فريد لا تناقض فيه ولا اختلاف ، كما عرفنا ذلك عند معرفة أول ما نزل من الآيات وآخر ما نزل على الصحيح من أقوال المحققين.
السادس : وقد اهتم الكثير من علماء التفسير وعلماء الفقه والأصول بمعرفة جهات النزول وهى الأماكن التى نزل فيها على النبى صلىاللهعليهوسلم كمكة والمدينة والجحفة وبيت المقدس والطائف والحديبية وتبوك وغيرها.